للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا} [النساء: ٥٩] . فَإِنَّ النَّاسَ يَحْتَاجُونَ إلَى ذَلِكَ. هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ، وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى مَا فِيهِ خَرْقٌ يَسِيرٌ، مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي حَدِّ ذَلِكَ. وَاخْتَارَ هَذَا بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ إلَّا عَلَى مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ مَحَلِّ الْغَسْلِ. قَالُوا: لِأَنَّهُ إذَا ظَهَرَ بَعْضُ الْقَدَمِ كَانَ فَرْضُ مَا ظَهَرَ الْغَسْلَ، وَفَرْضُ مَا بَطَنَ الْمَسْحَ، فَيَلْزَمُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، أَيْ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَغْسِلَ الْقَدَمَيْنِ وَإِمَّا أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ.

وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ قِيَاسُ أُصُولِ أَحْمَدَ وَنُصُوصِهِ فِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الْعَوْرَةِ، وَعَنْ يَسِيرِ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، بِأَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُطْلَقًا، قَوْلًا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِعْلًا. «كَقَوْلِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كُنَّا سَفْرًا أَوْ مُسَافِرِينَ أَنْ لَا نَنْزِعَ أَخْفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ لَا نَنْزِعُ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ» ، رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.

فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أُمَّتَهُ أَنْ لَا يَنْزِعُوا أَخْفَافَهُمْ فِي السَّفَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الْغَائِطِ، وَالْبَوْلِ، وَالنَّوْمِ، وَلَكِنْ يَنْزِعُوهَا مِنْ الْجَنَابَةِ، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى التَّسَاخِينِ، وَالْعَصَائِبِ. وَالتَّسَاخِينُ: هِيَ الْخُفَّانِ، فَإِنَّهَا تُسَخِّنُ الرِّجْلَ. وَقَدْ اسْتَفَاضَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» ، وَتَلَقَّى أَصْحَابُهُ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>