وَفِي ذَلِكَ نِزَاعٌ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ يَجْعَلُهَا كَالْخُفَّيْنِ، وَيَجْعَلُ الْبُرْءَ كَانْقِضَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ، فَيَقُولُ بِبُطْلَانِ طَهَارَةِ الْمَحَلِّ، كَمَا قَالُوا فِي الْخُفِّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، وَهُوَ: أَنَّهَا إذَا سَقَطَتْ سُقُوطَ بُرْءٍ كَانَ بِمَنْزِلَةِ حَلْقِ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ، وَبِمَنْزِلَةِ كَشْطِ الْجِلْدِ، لَا يُوجِبُ إعَادَةَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ، عَلَيْهَا إذَا كَانَ قَدْ مَسَحَ عَلَيْهَا مِنْ الْجَنَابَةِ. وَكَذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ، لَا يَجِبُ غَسْلُ الْمَحَلِّ، وَلَا إعَادَةُ الْوُضُوءِ، كَمَا قِيلَ: إنَّهُ يَجِبُ فِي خَلْعِ الْخُفِّ وَالطَّهَارَةُ، وَجَبَتْ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؛ لِيَكُونَ إذَا أَحْدَثَ يَتَعَلَّقُ الْحَدَثُ بِالْخُفَّيْنِ، فَيَكُونُ مَسْحُهُمَا كَغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَلَّقَ الْحَدَثُ بِالْقَدَمِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ.
ثُمَّ قِيلَ: إنَّ الْمَسْحَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ الرِّجْلِ، فَإِذَا خَلَعَهَا كَانَ كَأَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَيْهَا، فَيَغْسِلُهَا عِنْدَ مَنْ لَا يَشْتَرِطُ الْمُوَالَاةَ، وَمَنْ يَشْتَرِطُ الْمُوَالَاةَ يُعِيدُ الْوُضُوءَ، وَقِيلَ بَلْ حَدَثُهُ ارْتَفَعَ رَفْعًا مُؤَقَّتًا إلَى حِينِ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَخَلْعِ الْخُفِّ، لَكِنْ لَمَّا خَلَعَهُ انْقَضَتْ الطَّهَارَةُ فِيهِ، وَالطَّهَارَةُ الصُّغْرَى لَا تَتَبَعَّضُ، لَا فِي ثُبُوتِهَا، وَلَا فِي زَوَالِهَا، فَإِنَّ حُكْمَهَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِ مَحَلِّهَا، فَإِنَّهَا غَسْلُ أَعْضَاءٍ أَرْبَعَةٍ، وَالْبَدَنُ كُلُّهُ يَصِيرُ طَاهِرًا، فَإِذَا غُسِلَ عُضْوٌ، أَوْ عُضْوَانِ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ حَتَّى يُغْسَلَ الْأَرْبَعَةُ، وَإِذَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ فِي عُضْوٍ انْتَقَضَ فِي الْجَمِيعِ. وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: إنَّهُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ، وَمِثْلُ هَذَا مُنْتَفٍ فِي الْجَبِيرَةِ، فَإِنَّ الْجَبِيرَةَ يُمْسَحُ عَلَيْهَا فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى، وَلَا يُجْزِئُ فِيهَا الْبَدَلُ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا كَالْمَسْحِ عَلَى الْجِلْدِ وَالشَّعْرِ.
وَمَنْ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إنَّهُ إذَا سَقَطَتْ لِبُرْءٍ بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ، أَوْ غَسَلَ مَحَلَّهَا، وَإِذَا سَقَطَتْ لِغَيْرِ بُرْءٍ فَعَلَى وَجْهَيْنِ: فَإِنَّهُمْ جَعَلُوهَا مُؤَقَّتَةً بِالْبُرْءِ، وَجَعَلُوا سُقُوطَهَا بِالْبُرْءِ، كَانْقِطَاعِ مُدَّةِ الْمَسْحِ.
وَأَمَّا إذَا سَقَطَتْ قَبْلَ الْبُرْءِ فَقِيلَ: هِيَ كَمَا لَوْ خَلَعَ الْخُفَّ قَبْلَ الْمُدَّةِ، وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ الطَّهَارَةُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَسْلُهَا قَبْلَ الْبُرْءِ، بِخِلَافِ الرِّجْلِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهَا إذَا خَلَعَ الْخُفَّ فَلِهَذَا فَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخُفِّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، فَإِنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ غَسْلُهَا بَقِيَتْ الطَّهَارَةُ، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْبُرْءِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُ مَحَلِّهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute