الْمُحَرَّمَ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، كَيْفَ وَقَدْ حَمَلُوا نَهْيَهُ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْفَسَادِ، وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ.
ثُمَّ إنَّهُ لَعَنَ الْمُحَلَّلَ لَهُ فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِذَلِكَ التَّحْلِيلِ إذْ لَوْ حَلَّتْ لَهُ لَكَانَ نِكَاحُهُ مُبَاحًا فَلَمْ يَسْتَحِقَّ اللَّعْنَ عَلَيْهِ، فَعُلِمَ أَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ الْمُحَلِّلُ حَرَامٌ بَاطِلٌ، وَأَنَّ تَزَوُّجَ الْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا لِأَجْلِ هَذَا التَّحْلِيلِ حَرَامٌ بَاطِلٌ. وَمَعَ أَنَّ مُجَرَّدَ تَحْرِيمِ عَقْدِ النِّكَاحِ كَافٍ فِي بُطْلَانِهِ فَفِي خُصُوصِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْعَقْدَيْنِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَ الْمُحَلَّلَ لَهُ، فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَلَّ لِلثَّانِي تَزَوُّجُهَا، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ حَلَّ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَنَهُ وَلَوْ كَانَتْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ لَكَانَ تَزَوُّجُهُ بِهَا جَائِزًا وَلَمْ يَجُزْ لَعْنُهُ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ حَلَالًا لِلثَّانِي فَكُلُّ امْرَأَةٍ يَحْرُمُ التَّزَوُّجُ بِهَا فَالْعَقْدُ عَلَيْهَا بَاطِلٌ. وَهَذَا ثَابِتٌ بِالْإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ بَلْ بِالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ مِنْ الدِّينِ.
وَذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ كَالْمَبِيعِ وَالْمَنْكُوحَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْمُعْتَدَّةِ وَالْمُزَوَّجَةِ كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ بَاطِلًا بِالضَّرُورَةِ وَالْإِجْمَاعِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لِلثَّانِي وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَحَصَلَ بِهِ الْحِلُّ كَسَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْكَلَامِ الْمَحْفُوظِ لَفْظًا وَمَعْنًى فِي قَوْلِهِ: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] وَمَنْ قَالَ إنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ وَهِيَ لَا تَحِلُّ بِهِ فَقَدْ أَثْبَتَ حُكْمًا بِلَا أَصْلٍ وَلَا نَظِيرٍ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
وَقَوْلُهُمْ تَعَجَّلَ مَا أَجَّلَ اللَّهُ فَعُوقِبَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ، قُلْنَا إنْ كَانَ الْمُتَعَجَّلُ بِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ إبْطَالُهُ كَالْقَتْلِ قَطَعْنَا عَنْهُ حُكْمَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ كَالطَّلَاقِ فِي الْمَرَضِ فَإِنَّا نَقْطَعُ عَنْهُ حُكْمَهُ، وَالْمَقْصُودُ رَفْعُهُ وَهُوَ الْإِرْثُ وَنَحْوُهُ، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَإِنَّهُ عَقْدٌ قَابِلٌ لِلْإِبْطَالِ فَيَبْطُلُ، ثُمَّ إذَا عَاقَبْنَا الْمُحَلَّلَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَجَّلَ الْمُؤَجَّلَ فَكَيْفَ لَا نُعَاقِبُ الْمُحَلِّلَ الَّذِي هُوَ مُعَجِّلُ الْمُؤَجَّلَ، وَهُوَ أَحَقُّ بِالْعُقُوبَةِ لِعَدَمِ الْغَرَضِ لَهُ فِي هَذَا الْفِعْلِ، وَإِذَا انْتَفَى الدَّاعِي إلَى الْمَعْصِيَةِ كَانَتْ أَقْبَحَ كَزِنَا الشَّيْخِ وَزُهُوِّ الْفَقِيرِ وَكَذِبِ الْمَلِكِ.
فَإِنْ قِيلَ: إلَّا أَنَّ التَّحْرِيمَ وَإِنْ اقْتَضَى فَسَادَ الْعَقْدِ فَإِنَّمَا ذَاكَ إذَا كَانَ التَّحْرِيمُ ثَابِتًا مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَإِذَا كَانَ التَّحْرِيمُ مِنْ أَحَدِهِمَا لَمْ يُوجِبْ الْفَسَادَ كَبَيْعِ الْمُصَرَّاةِ وَالْمُدَلِّسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُنَا التَّحْلِيلُ الْمَكْتُومُ إنَّمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى الزَّوْجِ الْمُحَلِّلِ، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ وَوَلِيُّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute