للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُذِرَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ.

وَالْفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَمَنْ يَخُوضُ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَنَحْوِهِمْ يَتَنَازَعُونَ فِي مِثْلِ هَذَا، فَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ: هَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فِي الْأَصْلِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالِ كَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ الْفِعْلِ وَالْمَنْعُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ إلَّا بِإِعْلَامِ الْمَمْنُوعِ أَوْ تَمَكُّنِهِ مِنْ الْعِلْمِ وَهَذَا لَمْ يَعْلَمْ التَّحْرِيمَ وَلَا أَمْكَنَهُ عِلْمُهُ فَلَا تَحْرِيمَ فِي حَقِّهِ، قَالُوا وَالتَّحْرِيمُ الثَّابِتُ فِي الْبَاطِنِ دُونَ الظَّاهِرِ لَا يُعْقَلُ فَإِنَّ حَدَّ الْمُحَرَّمِ مَا ذُمَّ فَاعِلُهُ أَوْ عُوقِبَ أَوْ مَا كَانَ سَبَبًا لِلذَّمِّ أَوْ الْعِقَابِ أَوْ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ ذَمًّا أَوْ عِقَابًا، وَهَذَا الْفِعْلُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْخَصَائِصِ. نَعَمْ وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْوَى عِنْدَ مَنْ لَا يَرَى التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ يُوجِبُ إلَّا مُجَرَّدَ نِسْبَةٍ وَإِضَافَةٍ تَثْبُتُ لِلْفِعْلِ لِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ، وَهَذَا أَيْضًا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا.

ثُمَّ إنْ كَانَ قَدْ اسْتَحَلَّهُ بِنَاءً عَلَى إمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ قَالُوا هُوَ حَلَالٌ بَاطِنًا وَظَاهِرًا حِلًّا شَرْعِيًّا، وَإِنْ اسْتَحَلَّهُ لِعَدَمِ الْمُحَرَّمِ قَالُوا لَيْسَ بِحَرَامٍ بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا.

وَلَمْ يَقُولُوا هُوَ حَلَالٌ، وَأَمَّا أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ فَيَقُولُونَ إنَّهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ، لَكِنَّ عَدَمَ التَّحْرِيمِ مَنَعَ مِنْ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ لِفَوَاتِ شَرْطِ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ الَّذِي هُوَ الْعِلْمُ، وَتَخَلُّفِ الْمُقْتَضِي عَنْ الْمُقْتَضَى لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهِ مُقْتَضِيًا. وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى حُكْمِ الْعِلَّةِ إذَا تَخَلَّفَ عَنْهَا لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ وُجُودِ مَانِعٍ هَلْ يَقْدَحُ فِي كَوْنِهَا عِلَّةً وَيُؤْخَذُ مِنْ الشَّرْطِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ قُيُودٌ تُضَمُّ إلَى تِلْكَ الْأَوْصَافِ فَيَجْعَلُ الْجَمِيعَ عِلَّةً وَلَكِنْ يُضَافُ التَّخَلُّفُ إلَى الْمَانِعِ وَفَوَاتِ الشَّرْطِ.

وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ وَفَسَادِهَا بِالنَّقْضِ مُطْلَقًا خُيِّرَ أَوْ لَمْ يُخَيَّرْ، وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مُخْتَلِفُونَ خِلَافًا مَشْهُورًا. فَمَنْ قَالَ بِتَخْصِيصِهَا فَرَّقَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَجَزَاءِ الْعِلَّةِ وَعَدَمِ الْمَانِعِ وَقَالَ قَدْ تَقَدَّمَ الْحُكْمُ مَعَ بَقَائِهَا إذَا صَادَفَهَا مَانِعٌ أَوْ تَخَلَّى عَنْهَا الشَّرْطُ الْمُعَيَّنُ.

وَمَنْ لَمْ يُخَصِّصْهَا فَعِنْدَهُ الْجَمِيعُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَمَتَى تَخَلَّفَ عَنْهَا الْحُكْمُ لَمْ يَكُنْ عِلَّةً بِحَالٍ بَلْ يَكُونُ بَعْضَ عِلَّةٍ. وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْعِلَّةَ الْمُوجِبَةَ - وَهِيَ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ الَّتِي يَجِبُ وُجُودُ مَعْلُولِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>