للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التَّأْثِيرِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِمْ أَصْحَابَ الطَّرْدِ أَنَّهُمْ يَكْتَفُونَ بِمُجَرَّدِ الْوَصْفِ الْمُطَّرِدِ الَّذِي لَا يَظْهَرُ فِيهِ اقْتِضَاءٌ لِلْحُكْمِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهِ وَلَا إشْعَارَ بِهِ. فَإِنَّ هَذَا يُبْطِلُهُ جَمَاهِيرُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ يَقُولُ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُهُ إلَّا شِرْذِمَةٌ مِنْ الطَّارِدِينَ. وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ مَا يُقْبَلُ وَيُرَدُّ.

وَلَا يُمْكِنُ هُنَا تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، لَكِنَّ الرَّاجِحَ فِي الْجُمْلَةِ قَوْلُ مَنْ يُخَصِّصُ الْعِلَّةَ لِفَوَاتِ شَرْطٍ أَوْ لِوُجُودِ مَانِعٍ فَإِنَّ مُلَاحَظَتَهُ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ وَأَشْبَهُ بِالْمَنْقُولِ، وَعَلَى ذَلِكَ تَصَرُّفَاتُ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ مِنْ أَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ، وَلِهَذَا رَجَعَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي آخِرِ عُمُرِهِ إلَى ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّ أَكْثَرَ كَلَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَهُوَ كَمَا قَالَ.

وَغَيْرُهُ يَقُولُ إنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ مُنَاظَرَتَهُمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخُصُّونَ التَّعْلِيلَ بِوُجُودِ الْمَانِعِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ النَّقْضَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْعِ وَبَيْنَ صُورَةِ النَّقْضِ إذَا كَانَ الْفَرْقُ مَغْلُوسًا فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ أَيْ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْقَائِمُ بِصُورَةِ النَّقْضِ مَانِعًا غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي الْأَصْلِ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ إذْ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْأَصْلِ لَمْ يَكُنْ مَانِعًا وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْفَرْعِ لَمْ يَجُزْ النَّقْضُ وَهَذَا عَيْنُ الْفِقْهِ. بَلْ هُوَ عَيْنُ كُلِّ عِلْمٍ بَلْ هُوَ عَيْنُ كُلِّ نَظَرٍ صَحِيحٍ وَكَلَامٍ سَدِيدٍ.

نَعَمْ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مُتَطَرِّفَانِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ: قَوْلُ مَنْ يُجَوِّزُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ تَخْصِيصَ الْعِلَّةِ لَا لِمَانِعٍ وَلَا لِفَوَاتِ شَرْطٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ دَلِيلٍ كَمَا يَخُصُّ الْعُمُومَ اللَّفْظِيَّ، وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ إنَّ الْعِلَّةَ الْمَنْصُوصَةَ إذَا تَخَصَّصَتْ بَطَلَ كَوْنُهَا عِلَّةً وَعُلِمَ أَنَّهَا جُزْءُ الْعِلَّةِ.

فَهَذَانِ قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخَصِّصَ مُسْتَلْزِمٌ لِمَانِعٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ فَإِنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ لَهُ وَجْهٌ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْعِلَّةُ عُلِمَتْ بِنَصٍّ وَالْمُخَصِّصُ لَهَا نَصٌّ فَهُنَاكَ لَا يَضُرُّنَا أَنْ لَا نَعْلَمَ الْمَانِعَ الْمَعْنَوِيَّ عَلَى نَظَرٍ فِيهِ، إذْ قَدْ يُقَالُ إنْ كَانَ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ اللَّفْظِيِّ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ كَانَ التَّمَسُّكُ بِالْعُمُومِ الْمَعْنَوِيِّ فَقَدْ عَلِمْنَا انْتِفَاءَهُ مَعَ مَانِعٍ مَجْهُولٍ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْعَامِّ إذَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهُ شَيْءٌ مَجْهُولٌ. فَمَا مِنْ صُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ إلَّا وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ.

وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً فِي الْمُسْتَثْنَى فَلَا يَجُوزُ إدْخَالُهَا فِي أَحَدِهِمَا بِلَا دَلِيلٍ، كَذَلِكَ كُلُّ صُورَةٍ تَفْرِضُ وُجُودَ الْعِلَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>