للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اقْتِضَاءٌ وَمُلَاءَمَةٌ وَرَأَى مَا فِي الدَّلِيلِ الصَّرْفِ فَهُوَ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إمَّا مُعَانِدٌ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ وَمَا أَكْثَرُ السَّفْسَطَةِ مِنْ بَنِي آدَمَ عُمُومًا وَمِنْ الْمُنَاظِرِينَ فِي الْعِلْمِ خُصُوصًا فِي جُزْئِيَّاتِ الْمُقَدِّمَاتِ وَإِنْ كَانُوا مُجْمِعِينَ أَوْ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى فَسَادِهَا فِي الْأَنْوَاعِ الْكُلِّيَّاتِ.

وَإِمَّا ذَاهِلٌ جَاهِلٌ حَقِيقَةَ مَا يَقُولُهُ مِنْ أَنَّ الْعِلَلَ مُجَرَّدُ أَمَارَاتٍ مُصَرِّفَاتٍ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ مَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ دَائِمًا يَرَاهُ وَيَقُولُهُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَوِيٌّ إذَا رَأَيْنَا مَا فِي الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ مِنْ الْمَفَاسِدِ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ ثَابِتَةٌ فِي أَكْثَرِ الْأَفْعَالِ وَإِنْ لَمْ يُدْرَ الْفَاعِلُ. أَلَا تَرَى مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ التَّحْرِيمَ فَإِنَّ فَسَادَهَا مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ وَتَوَابِعِهِ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ، نَعَمْ الْعُقُوبَةُ الْحَدِّيَّةُ وَتَوَابِعُهَا فِي الدُّنْيَا وَالْعُقُوبَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ مَشْرُوطَةٌ بِقِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْوَصْفُ وَإِنْ كَانَ اقْتِضَاءَ التَّحْرِيمِ مَثَلًا مَشْرُوطٌ بِجَعْلِ الشَّارِعِ أَوْ بِالْحَالِ الَّتِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ فِيهَا مُقْتَضِيًا فَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْجَعْلُ وَالْحَالُ الَّتِي حَصَلَ فِيهَا هَذَا الْجَعْلُ.

وَهُنَا أُمُورٌ أَرْبَعَةٌ. أَحَدُهَا: الْوَصْفُ الثَّابِتُ الْمُقْتَضِي لِلْحُرْمَةِ فِي الْحَالِ الَّتِي اقْتَضَاهَا. وَالثَّانِي: عِلْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِهَذَا الْوَصْفِ الْمُقْتَضِي.

وَالثَّالِثُ: حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ مَثَلًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا عَلِمَ مَا فِي الْفِعْلِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ حَكَمَ بِمُقْتَضَى عِلْمِهِ، وَهَذِهِ الْإِضَافَةُ تَرْتِيبٌ ذَاتِيٌّ عَقْلِيٌّ لَا تَرْتِيبٌ وُجُودِيٌّ زَمَانِيٌّ كَتَرْتِيبِ الصِّفَةِ عَلَى الذَّاتِ وَتَرْتِيبِ الْعِلْمِ عَلَى الْحَيَاةِ وَالتَّرْتِيبِ الْحَاصِلِ فِي الْكَلَامِ الْمَوْجُودِ فِي آنٍ وَاحِدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشْهَدُ الْعَقْلُ مُلَازَمَتَهُ تَرْتِيبًا اقْتَضَتْهُ الْحَقِيقَةُ وَكُنْهُ ذَلِكَ مَغِيبٌ عَنْ عِلْمِ الْخَلْقِ.

وَالرَّابِعُ: الْمَحْكُومُ بِهِ الَّذِي هُوَ الْحُرْمَةُ الْقَائِمَةُ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ جُعِلَتْ صِفَةً عَيْنِيَّةً أَوْ جُعِلَتْ إضَافَةً مَحْضَةً أَوْ جُعِلَتْ عَيْنِيَّةً مُضَافَةً، فَالْمُوجِبُ لِلْعُقُوبَةِ هُوَ التَّحْرِيمُ، وَسَبَبُ التَّحْرِيمِ هُوَ عِلْمُ اللَّهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ لَا نَفْسُ الْمَفْسَدَةِ حَتَّى لَا تُعَلَّلَ صِفَاتُ اللَّهِ الْقَدِيمَةِ بِالْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ كَمَا اعْتَقَدَهُ بَعْضُ مَنْ نَازَعَ فِي هَذَا الْمَقَامِ، بَلْ يُضَافُ حِكْمَةُ التَّحْرِيمِ إلَى عِلَّةِ سَبَبِ التَّحْرِيمِ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، فَهَذَا الْمُوجِبُ لِلْعُقُوبَةِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْحُكْمِ ثَابِتٌ بِكُلِّ حَالٍ لَكِنْ بِشَرْطِ حُصُولِ مُوجِبِهِ وَهُوَ قِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>