بَطَنَ مِنْ الْقَدَمِ مَسَحَ مَا يَلِيهِ مِنْ الْخُفِّ، بَلْ إذَا مَسَحَ ظَهْرَ الْقَدَمِ كَانَ هَذَا الْمَسْحُ مُجْزِيًا عَنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ، وَعَنْ الْعَقِبِ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي مَوْضِعٍ، وَمَسَحَ مَوْضِعًا آخَرَ كَانَ ذَلِكَ مَسْحًا مُجْزِئًا عَنْ غَسْلِ جَمِيعِ الْقَدَمِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي مُؤَخَّرِ الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ، فَإِنَّ مَسْحَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا يَجِبُ، بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ، وَلَوْ كَانَ الْخَرْقُ فِي الْمُقَدَّمِ فَالْمَسْحُ خُطُوطٌ بَيْنَ الْأَصَابِعِ. فَإِنْ قِيلَ: مُرَادُنَا أَنَّ مَا بَطَنَ يُجْزِئُ عَنْهُ الْمَسْحُ، وَمَا ظَهَرَ يَجِبُ غَسْلُهُ. قِيلَ: هَذَا دَعْوَى مَحَلِّ النِّزَاعِ فَلَا تَكُونُ حُجَّةً، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ فَرْضُهُ غَسْلُهُ، فَهَذَا رَأْسُ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ احْتَجَّ بِهِ كَانَ مُثْبِتًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ قَالُوا بِأَنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى مَسْتُورٍ، أَوْ مُغَطًّى، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ كَانَتْ هَذِهِ كُلُّهَا عِبَارَاتٍ عَنْ مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ دَعْوَى رَأْسِ الْمَسْأَلَةِ بِلَا حُجَّةٍ أَصْلًا، وَالشَّارِعُ أَمَرَنَا بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُطْلَقًا، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ، وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقَيَّدُ.
وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَدْ اشْتَرَطَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ شَرْطَيْنِ، هَذَا أَحَدُهُمَا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ، وَقَدْ تَبَيَّنَ ضَعْفُ هَذَا الشَّرْطِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخُفُّ يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِشَدِّهِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ، أَوْ خَيْطٍ مُتَّصِلٍ بِهِ أَوْ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَمْ يَمْسَحْ، وَإِنْ ثَبَتَ بِنَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الْمَحَلِّ إلَّا بِالشَّدِّ: كَالزُّرْبُولِ الطَّوِيلِ الْمَشْقُوقِ يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يَسْتُرُ إلَى الْكَعْبَيْنِ إلَّا بِالشَّدِّ، فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يُمْسَحُ عَلَيْهِ. وَهَذَا الشَّرْطُ لَا أَصْلَ لَهُ فِي كَلَامِ أَحْمَدَ، بَلْ الْمَنْصُوصُ عَنْهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتَا بِأَنْفُسِهِمَا، بَلْ بِنَعْلَيْنِ تَحْتَهُمَا، وَأَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ مَا لَمْ يَخْلَعْ النَّعْلَيْنِ.
فَإِذَا كَانَ أَحْمَدُ لَا يَشْتَرِطُ فِي الْجَوْرَبَيْنِ أَنْ يَثْبُتَا بِأَنْفُسِهِمَا بَلْ إذَا ثَبَتَا بِالنَّعْلَيْنِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِهِمَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهُنَا قَدْ ثَبَتَا بِالنَّعْلَيْنِ وَهُمَا مُنْفَصِلَانِ عَنْ الْجَوْرَبَيْنِ، فَإِذَا ثَبَتَ الْجَوْرَبَانِ بِشَدِّهِمَا بِخُيُوطِهِمَا كَانَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا أَوْلَى بِالْجَوَازِ، إذَا كَانَ هَذَا فِي الْجَوْرَبَيْنِ، فَالزُّرْبُولُ الَّذِي لَا يَثْبُتُ إلَّا بِسَيْرٍ يَشُدُّهُ بِهِ، مُتَّصِلًا بِهِ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute