ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ مَا شَرَطُوهُ عَلَيْهِ لَمْ يَرْضَ اللَّهُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ شَرْعًا، وَمَا نَوَاهُ الزَّوْجُ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ بِهِ وَلَا وَلِيُّهَا فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْ جِهَتِهِمَا فَمَا رَضُوا بِهِ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِيهِ. وَمَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ لَمْ يَرْتَضُوا بِهِ، فَلَا يَصِحُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى دَلَالَةِ الْحَدِيثِ، مِنْ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُؤَثِّرَةَ هِيَ مَا قَارَنَتْ الْعَقْدَ دُونَ مَا تَقَدَّمَتْهُ، فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا وِفَاقٍ وَلَا عِبْرَةٍ صَحِيحَةٍ، وَالْقَوْلُ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا وَاحِدٌ، وَقَدْ سَلَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِثْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيَّ، وَادَّعَى أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْفَسَادِ هُوَ النِّيَّةُ الْمُقْتَرِنَةُ بِالْعَقْدِ لَا الشَّرْطُ الْمُتَقَدِّمُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ مُؤَثِّرًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَسَلَّمَ آخَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُتَقَدِّمَ إنْ لَمْ يَمْنَعْ الْقَصْدَ بِالْعَقْدِ كَالتَّوَاطُؤِ عَلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ وَنَحْوِهِ. لَمْ يَفْسُدْ الْعَقْدُ، وَإِنْ مُنِعَ الْقَصْدُ بِالْعَقْدِ كَالتَّوَاطُؤِ عَلَى بَيْعِ تَلْجِئَةٍ وَنِكَاحِ تَحْلِيلٍ أَبْطَلَ الْعَقْدَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُتَقَدِّمَةَ كَالْمُقَارَنَةِ مُطْلَقًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْمَالِكِيَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ بِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ التَّحْلِيلَ دُونَ مَنْ نَوَاهُ وَلَمْ يُظْهِرْهُ، لِئَلَّا يُفْضِيَ الْقَوْلُ بِالْإِفْسَادِ إلَى إضْرَارِ الْمُعَاقِدِ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ لَوْ كَانَتْ شَرْطًا لَمَا صَحَّتْ الشَّهَادَةُ عَلَى النِّكَاحِ فَنَقُولُ هَذَا السُّؤَالُ مَنْ قَالَ بِمُوجَبِهِ، فَإِنَّهُ يُبْطِلُ أَكْثَرَ صُوَرِ التَّحْلِيلِ الَّتِي هِيَ مَنْشَأُ الْفَسَادِ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ بَعْضُ التَّابِعِينَ إنْ صَحَّ، وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ مَتَى لَمْ تَعْلَمْ نِيَّةَ التَّحْلِيلِ لَمْ يَضُرَّهَا ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَعْتَقِدُهُ حَلَالًا فَلَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ فَالْوَطْءُ حَلَالٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا، حَرَامٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزَّوْجِ، كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يَعْلَمُ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ، وَهِيَ لَا تَعْلَمُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا يُعْطِيهَا إيَّاهُ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ يَحِلُّ لَهَا أَخْذُهُ، كَمَا يَحِلُّ لَهَا ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَالنُّكُولِ فَإِنَّ أَحَدَ الْمُصَالِحَيْنِ إذَا عَلِمَ كَذِبَ نَفْسِهِ كَانَ الصُّلْحُ بَاطِلًا فِي حَقِّهِ خَاصَّةً فَيَكُونُ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ مَالِ الْآخَرِ أَوْ مَا يَهْضِمُهُ مِنْ حَقِّهِ حَرَامًا عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ وَرِثَ الرَّجُلُ مِنْ أَبِيهِ رَقِيقًا قَدْ عَلِمَ رَجُلٌ أَنَّ الْأَبَ أَعْتَقَهُمْ، وَالِابْنُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَاشْتَرَاهُمْ مِنْهُ مَنْ يَعْلَمُ بِعِتْقِهِمْ كَانَ الْبَيْعُ صَحِيحًا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَائِعِ، فَيَحِلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute