«مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ» ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: ١٥٩] الْآيَةَ، فَلَا يُؤْمَرُ الْعَالِمُ بِمَا يُوجِبُ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَأَخَذَا الْجَوَابَ وَذَهَبَا فَأَطَالَا الْغَيْبَةَ، ثُمَّ رَجَعَا وَلَمْ يَأْتِيَا بِكَلَامٍ مُحَصَّلٍ إلَّا طَلَبَ الْحُضُورِ، فَأَغْلَظْتُ لَهُمْ فِي الْجَوَابِ وَقُلْتُ لَهُمْ بِصَوْتٍ رَفِيعٍ: يَا مُبَدِّلِينَ يَا مُرْتَدِّينَ عَنْ الشَّرِيعَةِ يَا زَنَادِقَةً، وَكَلَامًا آخَرَ كَثِيرًا، ثُمَّ قُمْتُ وَطَلَبْتُ فَتْحَ الْبَابِ وَالْعَوْدَ إلَى مَكَانِي.
وَقَدْ كَتَبْت هُنَا بَعْضَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمِحْنَةِ الَّتِي طَلَبُوهَا مِنِّي فِي هَذَا الْيَوْمِ، وَبَيَّنْت بَعْضَ مَا فِيهَا مِنْ تَبْدِيلِ الدِّينِ، وَإِتْبَاعِ غَيْرِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ نَكْتُبُ مِنْهَا مَا يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى. الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِيهِ أَمْرٌ بِهَذَا الْكَلَامِ الْمُبْتَدَعِ الَّذِي لَمْ يُؤْثَرْ عَنْ اللَّهِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا بَلْ هُوَ مِنْ ابْتِدَاعِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْجَهْمِيَّةِ الَّذِي وَصَفَ رَبَّهُ فِيهِ بِمَا وَصَفَهُ، وَنَهَى فِيهِ عَنْ كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ الَّذِي وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ، وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ، أَنْ يُفْتَى بِهِ أَوْ يُكْتَبَ بِهِ أَوْ يُبَلَّغَ لِعُمُومِ الْأُمَّةِ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ الْقُرْآنِ وَالشَّرِيعَةِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْرُوفِ وَالْهُدَى وَالرَّشَادِ وَطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَنْ مَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَى أَنْبِيَائِهِ.
وَأَمْرٌ بِالنِّفَاقِ وَالْحَدِيثِ الْمُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْبِدْعَةِ وَالْمُنْكَرِ وَالضَّلَالِ وَالْغَيِّ وَطَاعَةِ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَاتِّبَاعٍ لِمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ تَبْدِيلِ دِينِ الرَّحْمَنِ بِدِينِ الشَّيْطَانِ وَاِتِّخَاذِ أَنْدَادٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: ٧١] وَقَالَ تَعَالَى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ} [التوبة: ٦٧] ، الْآيَةَ.
وَهَذَا الْكَلَامُ نَهْيٌ فِيهِ عَنْ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمْرٌ بِسَبِيلِ الْمُنَافِقِينَ وَقَالَ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute