للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقُلْنَا: هَذَا الَّذِي يُدَبِّرُ أَمْرَ هَذَا الْخَلْقِ هُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّكُمْ لَا تَأْتَمُّونَ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا تَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ الشُّنْعَةَ بِمَا تُظْهِرُونَ إلَى أَنْ قَالَ لَهُمْ فَقَدْ جَمَعْتُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ لَفْظِهِ بَيْنَ كُفْرٍ وَتَشْبِيهٍ فَتَعَالَى عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ إلَى قَوْلِهِ قَالَ فَقَالُوا: لَا تَكُونُونَ مُوَحِّدِينَ أَبَدًا حَتَّى تَقُولُوا قَدْ كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ، فَقُلْنَا نَحْنُ نَقُولُ قَدْ كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ، وَلَكِنْ إذَا قُلْنَا إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا أَلَيْسَ إنَّمَا نَصِفُ إلَهًا وَاحِدًا بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَضَرَبْنَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ مَثَلًا فَقُلْنَا أَخْبِرُونَا عَنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَلَيْسَ لَهَا جِذْعٌ وَكَرَبٌ وَلِيفٌ وَسَعَفٌ وَخُوصٌ وَجُمَّارٌ وَاسْمُهَا اسْمُ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَسُمِّيَتْ نَخْلَةً بِجَمِيعِ صِفَاتِهَا فَكَذَلِكَ اللَّهُ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إلَهٌ وَاحِدٌ لَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ فَعَلِمَ وَاَلَّذِي لَا يَعْلَمُ هُوَ جَاهِلٌ وَلَكِنْ نَقُولُ لَمْ يَزَلْ اللَّهُ عَالِمًا قَادِرًا مَالِكًا لَا مَتَى وَلَا كَيْفَ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ رَجُلًا كَافِرًا اسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ فَقَالَ: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: ١١]

وَقَدْ كَانَ اللَّهُ سَمَّاهُ وَحِيدًا لَهُ عَيْنَانِ وَأُذُنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ وَيَدَانِ وَرِجْلَانِ وَجَوَارِحُ كَثِيرَةٌ، فَقَدْ سَمَّاهُ وَحِيدًا بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ فَكَذَلِكَ اللَّهُ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى هُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إلَهٌ وَاحِدٌ فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ مَا لَا يُعْرَفُ بِصِفَةٍ فَهُوَ مُعْدَمٌ وَهَذَا حَقٌّ وَبَيِّنٌ أَنَّهُ مُتَعَالٍ عَنْ الصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُ بِهَا الْجَهْمِيَّةُ وَذَكَرَ أَنَّهُ إذَا قُلْنَا لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا إنَّمَا نَصِفُ إلَهًا وَاحِدًا وَبَيَّنَ أَنَّ النَّبَاتَ وَالْحَيَوَانَ يُسَمَّى وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لَهُ صِفَاتٌ هِيَ كَالْجِذْعِ وَالْكَرَبِ مِنْ النَّخْلَةِ، وَكَالْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ الْإِنْسَانِ فَالرَّبُّ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ لَهُ صِفَاتٌ، إذْ هُوَ أَحَقُّ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَاسْمُ الْوَاحِدِ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي قَدْ تَتَفَرَّقُ صِفَاتُهَا وَتَتَبَعَّضُ وَتَكُونُ مُرَكَّبَةً مِنْهَا، وَالرَّبُّ تَعَالَى " أَحَدٌ صَمَدٌ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ " وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ سَمَّى هَذِهِ الْأُمُورَ صِفَاتٍ أَيْضًا.

وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: أَهْلُ السُّنَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ، إلَّا أَنَّهُمْ يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَجِدُونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً.

وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا

<<  <  ج: ص:  >  >>