للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمِخْيَطُ إذَا دَخَلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ: أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ» ؟

الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ. أَمَّا قَوْله تَعَالَى «يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْت الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي» . فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ كَبِيرَتَانِ، كُلٌّ مِنْهُمَا ذَاتُ شُعَبٍ وَفُرُوعٍ. إحْدَاهُمَا: فِي الظُّلْمِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَنَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ، بِقَوْلِهِ: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} [هود: ١٠١] ، وَقَوْلُهُ: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: ٤٩] ، وَقَوْلُهُ: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦] . وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء: ٤٠] . وَقَوْلُهُ: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلا} [النساء: ٧٧] ، وَنَفَى إرَادَتَهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: ١٠٨] . وَقَوْلُهُ: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ} [غافر: ٣١] . وَنَفَى خَوْفَ الْعِبَادِ لَهُ بِقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه: ١١٢] .

فَإِنَّ النَّاسَ تَنَازَعُوا فِي مَعْنَى هَذَا الظُّلْمِ تَنَازُعًا صَارُوا فِيهِ بَيْنَ طَرَفَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ، وَوَسَطٌ بَيْنَهُمَا، وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا، وَذَلِكَ بِسَبَبِ الْبَحْثِ فِي الْقَدَرِ وَمُجَامَعَتِهِ لِلشَّرْعِ، إذْ الْخَوْضُ فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمٍ تَامٍّ أَوْجَبَ ضَلَالَ عَامَّةِ الْأُمَمِ، وَلِهَذَا نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ عَنْ التَّنَازُعِ فِيهِ، فَذَهَبَ الْمُكَذِّبُونَ بِالْقَدَرِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ أَفْعَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>