أَلَيْسَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْأَلُ قَالُوا هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَكُونُ شَيْئًا فَيُعَبِّرُ عَنْ اللَّهِ قُلْنَا قَدْ أَعْظَمْتُمْ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَكَلَّمُ فَشَبَّهْتُمُوهُ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ لِأَنَّ الْأَصْنَامَ لَا تَكَلَّمُ وَلَا تَحَرَّكَ وَلَا تَزُولُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان.
فَلَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ قَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ يَتَكَلَّمُ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ فَقُلْنَا وَكَذَلِكَ بَنُو آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَلَامُهُمْ مَخْلُوقٌ فَقَدْ شَبَّهْتُمْ اللَّهَ تَعَالَى بِخَلْقِهِ حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ كَلَامَهُ مَخْلُوقٌ فَفِي مَذْهَبِكُمْ أَنَّ اللَّهَ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ التَّكَلُّمَ وَكَذَلِكَ بَنُو آدَم كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ حَتَّى خَلَقَ لَهُمْ كَلَامًا فَقَدْ جَمَعْتُمْ بَيْنَ كُفْرٍ وَتَشْبِيهٍ فَتَعَالَى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ هَذِهِ الصِّفَةِ بَلْ نَقُولُ إنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا يَتَكَلَّمُ حَتَّى خَلَقَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ لَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ فَعَلِمَ وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا قُدْرَةَ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ قُدْرَةً وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا نُورَ لَهُ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ نُورًا وَلَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ وَلَا عَظَمَةَ حَتَّى خَلَقَ لِنَفْسِهِ عَظَمَةً فَقَالَتْ الْجَهْمِيَّةُ لَنَا لَمَّا وَصَفْنَا مِنْ اللَّهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ إنْ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ وَنُورَهُ وَاَللَّهَ وَقَدَرَتْهُ وَاَللَّهَ وَعَظَمَتَهُ فَقَدْ قُلْتُمْ بِقَوْلِ النَّصَارَى حِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ وَنُورُهُ وَلَمْ يَزَلْ وَقُدْرَتُهُ فَقُلْنَا لَا نَقُولُ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ وَقُدْرَتُهُ وَلَمْ يَزَلْ وَنُورُهُ وَلَكِنْ لَمْ يَزَلْ بِنُورِهِ وَبِقُدْرَتِهِ لَا مَتَى قَدَرَ وَلَا كَيْفَ قَدَرَ فَقَالُوا لَا تَكُونُونَ مُوَحِّدِينَ أَبَدًا حَتَّى تَقُولُوا كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ فَقُلْنَا نَحْنُ نَقُولُ كَانَ اللَّهُ وَلَا شَيْءَ وَلَكِنْ إذَا قُلْنَا إنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ بِصِفَاتِهِ كُلِّهَا أَلَيْسَ إنَّمَا نَصِفُ إلَهًا وَاحِدًا بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ وَضَرَبَنَا لَهُمْ مَثَلًا فِي ذَلِكَ فَقُلْنَا لَهُمْ أَخْبِرُونَا عَنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ أَلَيْسَ لَهَا جُذُوعٌ وَكَرَبٌ وَلِيفٌ وَسَعَفٌ وَخُوصٌ وَجُمَّارٌ وَاسْمُهَا اسْمٌ وَاحِدٌ سُمِّيَتْ نَخْلَةً بِجَمِيعِ صِفَاتِهَا فَكَذَلِكَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ إلَهً وَاحِدً لَا نَقُولُ إنَّهُ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَلَا قُدْرَةَ حَتَّى خَلَقَ وَاَلَّذِي لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ هُوَ عَاجِزٌ وَلَا نَقُولُ قَدْ كَانَ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَلَا يَعْلَمُ حَتَّى خَلَقَ فَعَلِمَ وَاَلَّذِي لَا يَعْلَمُ فَهُوَ جَاهِلٌ.
وَلَكِنْ نَقُولُ لَمْ يَزَلْ اللَّهُ قَادِرًا عَالِمًا مَالِكًا لَا مَتَى وَلَا كَيْفَ وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ رَجُلًا كَافِرًا اسْمُهُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيُّ فَقَالَ {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا} [المدثر: ١١] وَقَدْ كَانَ اللَّهُ سَمَّاهُ وَحِيدًا لَهُ عَيْنَانِ وَأُذُنَانِ وَلِسَانٌ وَشَفَتَانِ وَيَدَانِ وَرِجْلَانِ وَجَوَارِحُ كَثِيرَةٌ فَقَدْ سَمَّاهُ وَحِيدًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute