قُلْت: وَأَمَّا سُؤَالُ السَّائِلِ عَنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥] فَهُوَ حَقٌّ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ وَأَهْلُ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا قَالَهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ إنَّ الِاسْتِوَاءَ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفَ مَجْهُولٌ وَالْإِيمَانَ بِهِ وَاجِبٌ وَالسُّؤَالَ عَنْ الْكَيْفِ بِدْعَةٌ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ مُفْتَقِرٌ إلَى عَرْشٍ يُقِلُّهُ أَوْ أَنَّهُ مَحْصُورٌ فِي سَمَاءٍ تُظِلُّهُ، أَوْ أَنَّهُ مَحْصُورٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، أَوْ أَنَّهُ يُحِيطُ بِهِ جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِ مَصْنُوعَاتِهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ ضَالٌّ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ رَبٌّ وَلَا فَوْقَ السَّمَوَاتِ خَالِقٌ بَلْ مَا هُنَالِكَ إلَّا الْعَدَمُ الْمَحْضُ وَالنَّفْيُ الصَّرْفُ فَهُوَ مُعَطِّلٌ جَاحِدٌ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مُضَاهٍ لِفِرْعَوْنَ الَّذِي قَالَ {يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ - أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: ٣٦ - ٣٧] بَلْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَسَلَفِ الْأُمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ لَيْسَ فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَلَا فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ وَعَلَى ذَلِكَ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّة وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ بَلْ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَأَهْلِ السُّنَّةِ، وَسَلَفُ الْأُمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ تَأَوَّلَ اسْتَوَى بِمَعْنَى اسْتَوْلَى أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ يَنْفِي أَنْ يَكُونَ اللَّهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ ضَالٌّ.
قُلْتُ: وَأَمَّا سُؤَالُهُ عَنْ إجْرَاءِ الْقُرْآنِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ إذَا آمَنَ بِمَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَكْيِيفٍ فَقَدْ اتَّبَعَ سَبِيلَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَفْظُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ الْمُسْتَأْخِرِينَ قَدْ صَارَ فِيهِ اشْتِرَاكٌ فَإِنْ أَرَادَ بِإِجْرَائِهِ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِينَ حَتَّى يُشَبِّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَهَذَا ضَلَالٌ، بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْجَنَّةِ إلَّا الْأَسْمَاءُ يَعْنِي أَنَّ مَوْعُودَ اللَّهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَالْخَمْرِ وَاللَّبَنِ تُخَالِفُ حَقَائِقُهُ حَقَائِقَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ فِي الدُّنْيَا فَاَللَّهُ تَعَالَى أَبْعَدُ عَنْ مُشَابَهَةِ مَخْلُوقَاتِهِ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ الْعِبَادُ لَيْسَ حَقِيقَتُهُ كَحَقِيقَةِ شَيْءٍ مِنْهَا وَأَمَّا إنْ أَرَادَ بِإِجْرَائِهِ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ فِي عُرْفِ سَلَفِ الْأُمَّةِ بِحَيْثُ لَا يُحَرِّفُ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَلَا يُلْحِدُ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ وَالْحَدِيثَ بِمَا يُخَالِفُ تَفْسِيرَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ، بَلْ يُجْرِيَ ذَلِكَ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute