للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ لَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ سَلَفُ الْأُمَّةِ قَالُوا لِلْأُمَّةِ الظَّاهِرُ الَّذِي تَفْهَمُونَهُ غَيْرُ مُرَادٍ، أَوْ لَكَانَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اسْتَشْكَلَ هَذِهِ الْآيَةَ وَغَيْرَهَا، فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ زَاغَ قَلْبُهُ حَتَّى صَارَ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ الْآيَةِ مَعْنًى فَاسِدٌ مِمَّا يَقْتَضِي حُدُوثًا أَوْ نَقْصًا، فَلَا شَكَّ أَنَّ الظَّاهِرَ لِهَذَا الْوَاقِعِ غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِذَا رَأَيْنَا رَجُلًا يَفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ هَذَا الظَّاهِرَ الْفَاسِدَ قَرَّرَنَا عِنْدَهُ أَوَّلًا أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مَفْهُومًا مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَرَّرَنَا عِنْدَهُ ثَانِيًا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مَعْنًى فَاسِدٌ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا فَرْضَ مَا لَا حَقِيقَةَ لَهُ لَوَجَبَ صَرْفُ الْآيَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا كَسَائِرِ الظَّوَاهِرِ الَّتِي عَارَضَهَا مَا أَوْجَبَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا غَيْرُ الظَّاهِرِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ دَلَالَاتِ اللَّفْظِ وَيَعْلَمْ أَنَّ ظُهُورَ الْمَعْنَى مِنْ اللَّفْظِ تَارَةً يَكُونُ بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَوْ الْعُرْفِيِّ أَوْ الشَّرْعِيِّ إمَّا فِي الْأَلْفَاظِ الْمُفْرَدَةِ وَإِمَّا فِي الْمُرَكَّبَةِ، وَتَارَةً بِمَا اقْتَرَنَ بِاللَّفْظِ الْمُفْرَدِ مِنْ التَّرْكِيبِ الَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ دَلَالَتُهُ فِي نَفْسِهِ، وَتَارَةً بِمَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي تَجْعَلُهَا مَجَازًا، وَتَارَةً بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَالُ الْمُتَكَلِّمِ وَالْمُخَاطَبِ وَالْمُتَكَلَّمِ فِيهِ وَسِيَاقُ الْكَلَامِ الَّذِي يُعَيِّنُ أَحَدَ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ أَوْ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ مَجَازُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُعْطِي اللَّفْظَ صِفَةَ الظُّهُورِ وَإِلَّا فَقَدْ يَتَخَبَّطُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ. نَعَمْ إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِاللَّفْظِ قَطُّ شَيْءٌ مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُتَّصِلَةِ تَبَيَّنَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ، بَلْ عُلِمَ مُرَادُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ لَفْظِيٍّ مُنْفَصِلٍ، فَهُنَا أُرِيدَ بِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَفِي تَسْمِيَةِ الْمُرَادِ خِلَافُ الظَّاهِرِ كَالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ وَإِنْ كَانَ الصَّارِفُ عَقْلِيًّا ظَاهِرًا فَفِي تَسْمِيَةِ الْمُرَادِ خِلَافُ الظَّاهِرِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.

وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذَا عُرِفَ الْمَقْصُودُ فَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ أَلَيْسَ هُوَ الظَّاهِرَ خِلَافٌ لَفْظِيٌّ. فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ مِمَّنْ فِي عُرْفِ خِطَابِهِ أَنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا هُوَ مُمَاثِلٌ لِصِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ فَقَدْ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ فِي عُرْفِ خِطَابِهِ أَنَّ ظَاهِرَهَا هُوَ مَا يَلِيقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عُرْفَ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَبَبٌ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مُرَادِهِ وَتَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِنِيَّتِهِ، فَقَدْ جَازَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعْنًى صَحِيحًا وَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعْنًى بَاطِلًا فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ يَعْتَقِدُهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَتَبَيَّنَ بِخِلَافِهِ حَنِثَ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَمْ يَحْنَثْ فَالْحُكْمُ فِي يَمِينِهِ ظَاهِرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>