للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ عِنْدَ نَفْسِهِ مُتَدَيِّنٌ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَهَكَذَا هُمْ الْمُعْتَزِلَةُ عِنْدَكُمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي الَّذِي اعْتَقَدُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ إنَّهُ مَخْلُوقٌ فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ لَا رَيْبٍ إنَّهُ مَخْلُوقٌ كَمَا لَا رَيْبَ فِي قَتْلِ أُولَئِكَ النَّفَرِ وَتَمْزِيقِ ذَلِكَ الْكِتَابِ، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ وَإِنْ اعْتَقَدْتُمْ أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِخَلْقِهِ تَعْظِيمٌ لِلَّهِ كَمَا اعْتَقَدَ أُولَئِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ قَتْلَهُمْ عِبَادَةٌ لِلَّهِ وَأَنَّ هَذَا الْمُصْحَفَ هُوَ الْقُرْآنُ وَتَمْزِيقَهُ عِبَادَةٌ لِلَّهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَؤُلَاءِ قَتَلُوا أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مَزَّقُوا الْمُصْحَفَ، وَإِنْ كَانُوا قَصَدُوا ذَلِكَ وَاعْتَقَدُوهُ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عَلَى أَصْلِكُمْ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْمُعْتَزِلَةَ قَالَتْ إنَّ كَلَامَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ وَإِنْ كَانُوا هُمْ قَصَدُوا ذَلِكَ وَاعْتَقَدُوهُ فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا إنَّهُ مَخْلُوقٌ إنْ كَانَ مَجَازًا فَلَمْ يَحْكُمُوا عَلَى مَا هُوَ كَلَامُ اللَّهِ فِي الْحَقِيقَةِ بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا فَهُمْ إنَّمَا قَالُوا إنَّهُ مَخْلُوقٌ بِأَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الْآخَرِ، وَاللَّفْظُ الْمُشْتَرَكُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُهُ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ بَلْ هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُجْمَلٌ، فَلَا يُقَالُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّهُمْ قَالُوا كَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ وَلَا قَالُوا إنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ السَّلَفِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَلَمْ يَكُنْ قَدِيمًا عِنْدَهُمْ فَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا.

الْوَجْهُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ: إنَّ هَذَا النَّقْلَ عَنْهُمْ إذَا قِيلَ إنَّهُ صَحِيحٌ إمَّا بِاعْتِبَارِ وَإِحْدَى الْحَقِيقَتَيْنِ أَوْ بِاعْتِبَارِ قَصْدِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُذَمُّونَ عَلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ، بَلْ يُحْمَدُونَ عَلَى ذَلِكَ إذْ أَنْتُمْ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَلِكَ وَمِنْ الْمَعْلُومِ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ السَّلَفَ الَّذِينَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إمَامَتِهِمْ فِي الدِّينِ ذَمُّوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِذَا أَنْتُمْ ذَامُّونَ لِلسَّلَفِ الَّذِينَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إمَامَتِهِمْ فِي الدِّينِ وَأَنْتُمْ عِنْدَ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ مَذْمُومُونَ، وَأَنْتُمْ بِذَلِكَ مِنْ جِنْسِ الرَّافِضَةِ وَالْخَوَارِجِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ يَقْدَحُ فِي سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَهَذَا حَقٌّ، فَإِنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ مِنْ فُرُوعِ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ، وَقَوْلُ الْجَهْمِيَّةِ فِيهِ مِنْ التَّنَقُّصِ وَالسَّبِّ وَالطَّعْنِ عَلَى السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ وَعَلَى السُّنَّةِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ. فَإِنَّ الْخَوَارِجَ يُعَظِّمُونَ الْقُرْآنَ وَيُوجِبُونَ اتِّبَاعَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّبِعُوا السُّنَنَ الْمُخَالِفَةَ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَهُمْ يَقْدَحُونَ فِي عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَمَنْ تَوَلَّاهُمَا وَإِنْ لَمْ يَقْدَحُوا فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ.

وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ بَلْ لَا تُجَوِّزُ اتِّبَاعَ الْقُرْآنِ فِي بَابِ صِفَاتِ اللَّهِ كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>