الْإِخْبَارِ، فَإِمَّا أَنْ يُسَلِّمَ هَذَا أَوْ يَمْنَعَ فَإِنْ سَلَّمَ كَمَا سَلَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ خَمْسُ حَقَائِقَ تُكُلِّمَ مَعَهُ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ قِيلَ لَهُ الْعِلْمُ بِاخْتِلَافِ هَذِهِ الْمَعَانِي ضَرُورِيٌّ بَدِيهِيٌّ لَيْسَ هُوَ بِدُونِ الْعِلْمِ بِتَعَاقُبِ الْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي، وَلَا بِدُونِ الْعِلْمِ بِاخْتِلَافِ الْأَصْوَاتِ بَلْ أَصْوَاتُ الْمُصَوِّتِ الْوَاحِدِ أَقْرَبُ تَشَابُهًا مِنْ الْمَعَانِي الْقَائِمَةِ بِنَفْسِهِ وَهَذَا الْأَمْرُ مَحْسُوسٌ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ سَقَطَتْ مُكَالَمَتُهُ أَبْلَغُ مِمَّا تَسْقُطُ مُكَالَمَةُ ذَاكَ، وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ لَهُ هَذِهِ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةُ مُتَضَادَّةٌ فِي حَقِّنَا فَإِنَّا نَجِدُ مِنْ نُفُوسِنَا أَنَّهَا عِنْدَ تَصَوُّرِ مَعَانِي كَلَامٍ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُتَصَوَّرَ مَعَانِي كُلِّ كَلَامٍ، كَمَا نَجِدُ مِنْ نُفُوسِنَا أَنَّا عِنْدَ التَّكَلُّمِ بِصَوْتٍ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِصَوْتٍ آخَرَ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الِامْتِنَاعُ لِذَاتِ الْمَعْنَيَيْنِ وَالصُّورَتَيْنِ امْتَنَعَ أَنْ يَقُومَ ذَلِكَ بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ لِعَجْزِنَا عَنْ ذَلِكَ كَمَا نَعْجِزُ عَنْ اسْتِحْضَارِ عُلُومٍ كَثِيرَةٍ لَمْ يَجِبْ أَنْ يَكُون ذَلِكَ مُمْتَنِعًا فِي حَقِّ اللَّهِ وَلَا مُمْتَنِعًا أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَانِيَ كَثِيرَةً مُخْتَلِفَةً وَأَصْوَاتًا كَثِيرَةً مُخْتَلِفَةً.
قَوْلُهُ وَكُلُّ صَوْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ الْأَصْوَاتِ مُتَضَادَّانِ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي الْمَحِلِّ الْوَاحِدِ وَقْتًا وَاحِدًا، فَيُقَالُ لَهُ أَمَّا الَّذِي نَجِدُهُ فَإِنَّا لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَجْمَعَ بَيْنَ صُورَتَيْنِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ وَقْتًا وَاحِدًا سَوَاءٌ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ أَوْ مُتَمَاثِلَيْنِ، فَلَيْسَ الِامْتِنَاعُ فِي ذَلِكَ لِأَجْلِ اخْتِلَافِ الْأَصْوَاتِ، وَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَسْتَحْضِرَ فِي قُلُوبِنَا الْمَعَانِيَ الْكَثِيرَةَ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ فِي الزَّمَنِ الْوَاحِدِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُخْتَلِفَةً أَوْ مُتَمَاثِلَةً وَإِنْ قَدَرْنَا أَنْ نَجْمَعَ مِنْ الْمَعَانِي فِي قُلُوبِنَا مَا لَا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نَجْمَعَ لَفْظَهُ مِنْ الْأَصْوَاتِ.
فَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقَلْبَ أَوْسَعُ مِنْ الْجَسَدِ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَجِدَ كُلُّ أَحَدٍ نَفْسَهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْتَمِعَ فِيهَا مَعَانٍ كَثِيرَةٌ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، كَمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صُورَتَيْنِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ وَقِيَاسُ الْأَصْوَاتِ بِالْمَعَانِي وَهِيَ مُطَابِقَةٌ لَهَا وَقَوَالِبُ لَهَا أَجْوَدُ مِنْ قِيَاسِهَا بِالْأَلْوَانِ وَمَا أَلْزَمُوهُ فِي الْمَعَانِي مِنْ أَنَّهَا مَعْنًى وَاحِدُ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ لَيْسَ فِي مُخَالَفَتِهِ لِبَدِيهَةِ الْعُقُولِ بِدُونِ أَنْ يُقَالَ يَكُونُ حَرْفٌ وَاحِدٌ هُوَ الْبَاءُ وَالسِّينُ وَإِذَا لَمْ يَقُلْ هَذَا وَهُوَ نَظِيرُهُ فَلَا رَيْبَ أَنْ أَقُولَ بِجَوَازِ اجْتِمَاعِهِمَا فِي الْمَحِلِّ الْوَاحِدِ أَقْرَبُ إلَى الْمَعْقُولِ مِنْ كَوْنِ الْأَمْرِ هُوَ النَّهْيُ وَهُمَا الْخَبَرُ فَالْقَوْلُ بِاجْتِمَاعِ الصِّفَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ فِي مَحِلٍّ وَاحِدٍ أَقْرَبُ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى.
وَمَنْ قَالَ الْكَلَامُ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ، وَأَنَّهَا كُلَّهَا مُجْتَمَعَةٌ قَائِمَةٌ بِمَحِلٍّ وَاحِدٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute