للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَّفِقُونَ مَعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ اللَّهُ هُوَ عَدْلٌ.

وَفِي حَدِيثِ الْكَرْبِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَصَابَ عَبْدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك ابْنُ عَبْدِك ابْنُ أَمَتِك، نَاصِيَتِي بِيَدِك، مَاضٍ فِي حُكْمُك. عَدْلٌ فِي قَضَاؤُك، أَسْأَلُك بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَك سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَك، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِك، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِك، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَك، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وَغَمِّي، إلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَغَمَّهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَتَعَلَّمُهُنَّ؟ قَالَ: بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ» .

فَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ كُلَّ قَضَائِهِ فِي عَبْدِهِ عَدْلٌ، وَلِهَذَا يُقَالُ: كُلُّ نِعْمَةٍ مِنْهُ فَضْلٌ، وَكُلُّ نِقْمَةٍ مِنْهُ عَدْلٌ، وَيُقَالُ: أَطَعْتُك بِفَضْلِك وَالْمِنَّةُ لَك، وَعَصَيْتُك بِعِلْمِك أَوْ بِعَدْلِك وَالْحُجَّةُ لَك، فَأَسْأَلُك بِوُجُوبِ حُجَّتِك عَلَيَّ وَانْقِطَاعِ حُجَّتِي إلَّا مَا غَفَرْت لِي. وَهَذِهِ الْمُنَاظَرَةُ مِنْ إيَاسٍ، كَمَا قَالَهُ رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِغَيْلَانَ، حِينَ قَالَ لَهُ غَيْلَانُ نَشَدْتُك اللَّهَ، أَتَرَى اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُعْصَى؟ فَقَالَ: نَشَدْتُك اللَّهَ، أَتَرَى يُعْصَى قَسْرًا يَعْنِي قَهْرًا فَكَأَنَّمَا أَلْقَمَهُ حَجَرًا. فَإِنَّ قَوْلَهُ: يُحِبُّ أَنْ يُعْصَى، لَفْظٌ فِيهِ إجْمَالٌ، وَقَدْ لَا يَتَأَتَّى فِي الْمُنَاظَرَةِ تَفْسِيرُ الْمُجْمَلَاتِ خَوْفًا مِنْ لَدَدِ الْخَصْمِ، فَيُؤْتَى بِالْوَاضِحَاتِ، فَقَالَ: أَفَتَرَاهُ يُعْصَى قَسْرًا؟ فَإِنَّ هَذَا إلْزَامٌ لَهُ بِالْعَجْزِ الَّذِي لَازِمٌ لِلْقَدَرِيَّةِ وَلِمَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُمْ، مِنْ الدَّهْرِيَّةِ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَكَذَلِكَ إيَاسٌ رَأَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ الْمُطَابِقَ لِحَدِّهِمْ خَاصِمٌ لَهُمْ، وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي يَطُولُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا} [طه: ١١٢] .

قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ مِنْ السَّلَفِ: " لَا يَخَافُ أَنْ يُظْلَمَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ، وَلَا يُهْضَمُ فَيُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهِ ".

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الظُّلْمُ هُوَ شَيْءٌ مُمْتَنِعُ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>