فَإِنْ قِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا قَدْ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَجْلِسٍ آخَرَ كَلَامًا مُبْتَدَأً لِآخَرَ: إمَّا لِهَذَا السَّائِلِ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ. قِيلَ: كُلُّ مَنْ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ إنَّمَا رَوَاهُ هَكَذَا، فَذَكَرُوا فِي أَوَّلِهِ السُّؤَالَ، وَفِي آخِرِهِ الْوَتْرَ، وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا صَلَاةُ اللَّيْلِ، وَهَذَا خَالَفَهُمْ فَلَمْ يَذْكُرْ مَا فِي أَوَّلِهِ وَلَا مَا فِي آخِرِهِ، وَزَادَ فِي وَسَطِهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْمَعْرُوفِينَ بِالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ، وَلِهَذَا لَمْ يُخَرِّجْ حَدِيثَهُ أَهْلُ الصَّحِيحِ: الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ وَمَا أَشْبَهَهَا مَتَى تَأَمَّلَهَا اللَّبِيبُ عَلِمَ أَنَّهُ غَلِطَ فِي الْحَدِيثِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ أَوْجَبَ رِيبَةً قَوِيَّةً تَمْنَعُ الِاحْتِجَاجَ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ مِثْلِ هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ الْوِتْرَ رَكْعَةٌ، وَهُوَ صَلَاةٌ، وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَغَيْرِهَا، فَعُلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ بَيَانَ مُسَمَّى الصَّلَاةِ وَتَحْدِيدِهَا، فَإِنَّ الْحَدَّ يَطَّرِدُ وَيَنْعَكِسُ؟ فَإِنْ قِيلَ: قَصَدَ بَيَانَ مَا يَجُوزُ مِنْ الصَّلَاةِ.
قِيلَ: مَا ذَكَرْتُمْ جَائِزٌ، وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ أَيْضًا جَائِزٌ، فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِهِ لَا عَلَى الِاسْمِ، وَلَا عَلَى الْحُكْمِ، وَكُلُّ قَوْلٍ يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُتَأَخِّرُ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَلَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ يَكُونُ خَطَأً، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إيَّاكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي مَسْأَلَةٍ لَيْسَ لَك فِيهَا إمَامٌ.
وَأَمَّا سُجُودُ السَّهْوِ: فَقَدْ جَوَّزَهُ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الضَّعِيفِ. وَلِهَذَا لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ؛ لِأَنَّ هَذَا سَجْدَتَانِ يَقُومَانِ مَقَامَ رَكْعَةٍ مِنْ الصَّلَاةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، حَدِيثِ الشَّكِّ: «إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا، فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا تَيَقَّنَ، ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ صَلَّى خَمْسًا شَفَعَتَا لَهُ صَلَاتَهُ، وَإِلَّا كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute