للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَرَأَيْتُ مِنْهُمْ قَوْمًا يَجْتَهِدُونَ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَحَفُّظِ حُرُوفِهِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ خَتْمِهِ، ثُمَّ اعْتِقَادُهُمْ فِيهِ مَا قَدْ بَيَّنَّاهُ اجْتِهَادُ رَوَغَانٍ كَالْخَوَارِجِ.

وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: إنَّا آمَنَّا وَلَمْ نَقْرَأْ الْقُرْآنَ وَسَيَجِيءُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَلَا يُؤْمِنُونَ، قَالَ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنَّا نُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ عِشْنَا بُرْهَةً مِنْ الدَّهْرِ وَإِنَّ أَحَدَنَا يُؤْتَى الْإِيمَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَفِي لَفْظٍ: إنَّا كُنَّا صُدُورَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْ خِيَارِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَصَالِحِيهِمْ مَا يُقِيمُ إلَّا سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقُرْآنُ ثَقِيلًا عَلَيْهِمْ وَرُزِقُوا عِلْمًا بِهِ وَعَمَلًا، وَإِنَّ آخِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَخِفُّ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ حَتَّى يَقْرَأَهُ الصَّبِيُّ وَالْعَجَمِيُّ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ شَيْئًا، أَوْ قَالَ لَا يُسَلِّمُونَ مِنْهُ الشَّيْءَ.

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالْكَائِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ فِي شَرْحِ أُصُولِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ لَمَّا ذَكَرَ عُقُوبَاتِ الْأَئِمَّةِ لِأَهْلِ الْبِدَعِ، قَالَ: وَاسْتَتَابَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْقَادِرُ بِاَللَّهِ، حَرَسَ اللَّهُ مُهْجَتَهُ وَأَمَدَّ بِالتَّوْفِيقِ أُمُورَهُ وَوَفَّقَهُ مِنْ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ لِمَا يَرْضَى مَلِيكَتَهُ فُقَهَاءَ الْمُعْتَزِلَةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَأَرْبَعمِائَةِ فَأَظْهَرُوا الرُّجُوعَ وَتَبَرُّوا مِنْ الِاعْتِزَالِ، ثُمَّ نَهَاهُمْ عَنْ الْكَلَامِ وَالتَّدْرِيسِ وَالْمُنَاظَرَةِ فِي الِاعْتِزَالِ وَالرَّقْصَةِ وَالْمَقَالَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ وَأَخَذَ خُطُوطَهُمْ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ مَهْمَا خَالَفُوهُ حَلَّ بِهِمْ مِنْ النَّكَالِ وَالْعُقُوبَةِ مَا يُتَّعَظُ بِهِ.

وَامْتَثَلَ يَمِينُ الدَّوْلَةِ وَأَمِينُ الْمِلَّةِ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودٌ يَعْنِي ابْنَ سُبُكْتِكِينَ، أَعَزّ اللَّهُ نَصْرَهُ أَمْرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْقَادِرِ بِاَللَّهِ وَاسْتَنَّ بِسُنَنِهِ فِي أَعْمَالِهِ الَّتِي اسْتَخْلَفَهُ عَلَيْهَا مِنْ خُرَاسَانَ وَغَيْرِهَا فِي قَتْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّة وَالْقَرَامِطَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَصَلَبَهُمْ وَحَبَسَهُمْ وَنَفَاهُمْ، وَأَمَرَ بِاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ عَلَى مَنَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِبْعَادِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَطَرْدِهِمْ عَنْ دِيَارِهِمْ، وَصَارَ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ إلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ.

وَجَرَى ذَلِكَ عَلَى يَدِ الْحَاجِبِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ عَمَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ وَثَبَّتَهُ إلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>