وَمَدْحِهِ، غُلُوًّا وَهَوًى، وَبَعْضُهُمْ يَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ مَسَاوِيهِ غُلُوًّا وَهَوًى، وَدِينُ اللَّهِ بَيْنَ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ لِلْأَشْعَرِيِّ فِي الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ كَلَامًا حَسَنًا هُوَ مِنْ الْكَلَامِ الْمَقْبُولِ الَّذِي يُحْمَدُ قَائِلُهُ إذَا أَخْلَصَ فِيهِ النِّيَّةَ، وَلَهُ أَيْضًا كَلَامٌ خَالَفَ بِهِ بَعْضَ السُّنَّةِ هُوَ مِنْ الْكَلَامِ الْمَرْدُودِ الَّذِي يُذَمُّ بِهِ قَائِلُهُ إذَا أَصَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ الْحَسَنُ لَمْ يُخْلِصْ فِيهِ النِّيَّةَ، وَالْكَلَامُ السَّيِّئُ كَانَ صَاحِبُهُ مُجْتَهِدًا مُخْطِئًا مَغْفُورًا لَهُ خَطَؤُهُ لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَدْحٌ وَلَا ذَمٌّ، بَلْ يُحْمَدُ نَفْسُ الْكَلَامِ الْمَقْبُولِ الْمُوَافِقِ لِلسُّنَّةِ وَيُذَمُّ الْكَلَامُ الْمُخَالِفُ لِلسُّنَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِمْ فِي الدِّينِ مُخَالِفُونَ لِلْأَشْعَرِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ، وَإِنْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ مُعَظِّمِينَ لَهُ فِي أُمُورٍ أُخْرَى وَنَاهِينَ عَنْ لَعْنِهِ وَتَكْفِيرِهِ، وَمَادِحِينَ لَهُ بِمَا لَهُ مِنْ الْمَحَاسِنِ.
وَبِزِيَادَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ مَسْأَلَةُ الْكَلَامِ مِنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ هَلْ لَهُ صِيغَةٌ أَوْ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ؟ بَلْ ذَلِكَ مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ، فَإِذَا كَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَائِلِينَ بِأَنَّ الْكَلَامَ لَهُ الصِّيَغُ الَّتِي هِيَ الْحُرُوفُ الْمَنْظُومَةُ الْمُؤَلَّفَةُ قَائِلِينَ خِلَافًا لِلْأَشْعَرِيِّ مُصَرِّحِينَ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ عُلِمَ صِحَّةُ مَا ذَكَرْنَاهُ.
وَقَوْلُهُمْ: لِلْأَمْرِ صِيغَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَهُ فِي اللُّغَةِ تَدُلُّ بِمُجَرَّدِهَا عَلَى كَوْنِهِ أَمْرًا وَلِلنَّهْيِ صِيغَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَهُ فِي اللُّغَةِ تَدُلُّ بِمُجَرَّدِهَا عَلَى كَوْنِهِ نَهْيًا، وَلِلْخَبَرِ صِيغَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَهُ فِي اللُّغَةِ تَدُلُّ بِمُجَرَّدِهَا عَلَى كَوْنِهِ خَبَرًا، وَلِلْعُمُومِ صِيغَةٌ مَوْضُوعَةٌ لَهُ فِي، اللُّغَةِ تَدُلُّ بِمُجَرَّدِهَا عَلَى اسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَاسْتِيعَابِ الطَّبِيعَةِ أَجْوَدُ مِنْ قَوْلٍ اسْتَدْرَكَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ كَابْنِ عَقِيلٍ [الَّذِي قَالَ] : إنَّ الْأَجْوَدَ أَنْ يَقُولَ: الْأَمْرُ صِيغَةٌ، قَالُوا: لِأَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَالْخَبَرَ هُوَ نَفْسُ الصِّيَغِ الَّتِي هِيَ الْحُرُوفُ الْمَنْظُومَةُ الْمُؤَلَّفَةُ؛ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ وَأَنْكَرَهُ هَؤُلَاءِ خَطَأٌ وَهُوَ لَوْ صَحَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْكَلَامَ مُجَرَّدُ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَعْنَى: وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ الْفُقَهَاءِ وَأَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إلَيْهِمْ كَمَا قَالَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ، بَلْ مَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ اسْمٌ لِلْحُرُوفِ وَالْمَعَانِي جَمِيعًا، وَالْأَمْرُ لَيْسَ هُوَ اللَّفْظَ الْمُجَرَّدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute