أَحَدُهُمَا: أَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ مِنْ السَّلَفِ قَالُوا: عَادَ الْأَمْرُ إلَى الْغَسْلِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَطْفًا عَلَى الرُّءُوسِ، لَكَانَ الْمَأْمُورُ بِهِ مَسْحَ الْأَرْجُلِ، لَا الْمَسْحَ بِهَا، وَاَللَّهُ إنَّمَا أَمَرَ فِي الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بِالْمَسْحِ بِالْعُضْوِ، لَا مَسْحِ الْعُضْوِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] .
وَقَالَ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] ، وَلَمْ يَقْرَأْ الْقُرَّاءُ الْمَعْرُوفُونَ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ " {وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦] " بِالنَّصْبِ، كَمَا قَرَءُوا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ، فَلَوْ كَانَ عَطْفًا لَكَانَ الْمَوْضِعَانِ سَوَاءً. وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] ، وَقَوْلُهُ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [المائدة: ٦] . يَقْتَضِي إلْصَاقَ الْمَمْسُوحِ؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْإِلْصَاقِ، وَهَذَا يَقْتَضِي إيصَالَ الْمَاءِ وَالصَّعِيدِ إلَى أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ، وَإِذَا قِيلَ امْسَحْ رَأْسَك وَرِجْلَك، لَمْ يَقْتَضِ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ. وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْبَاءَ حَرْفٌ جَاءَ لِمَعْنًى، لَا زَائِدَةً كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ النَّاسِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِ:
مُعَاوِيَةَ إنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ فَلَسْنَا ... بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا
فَإِنَّ الْبَاءَ هُنَا مُؤَكِّدَةٌ، فَلَوْ حُذِفَتْ لَمْ يَخْتَلَّ الْمَعْنَى، وَالْبَاءُ فِي آيَةِ الطَّهَارَةِ إذَا حُذِفَتْ اخْتَلَّ الْمَعْنَى، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ عَلَى مَحَلِّ الْمَجْرُورِ بِهَا، بَلْ عَلَى لَفْظِ الْمَجْرُورِ بِهَا أَوْ مَا قَبْلَهُ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَطْفًا عَلَى الْمَحَلِّ، لَقُرِئَ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ: فَامْسَحُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute