بِفَسْخِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَنَقْضِ ذَلِكَ، وَقَدْ احْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَسْلَكَيْنِ: أَثَرِيٌّ وَنَظَرِيٌّ.
أَمَّا الْأَثَرِيُّ: فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ: إنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَرُوِيَ: لَا يَسْتَنْزِهُ» . وَالْبَوْلُ اسْمُ جِنْسٍ مُحَلَّى بِاللَّامِ، فَيُوجِبُ الْعُمُومَ، كَالْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ - إِلا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر: ٢ - ٣] .
فَإِنَّ الْمُرْتَضَى أَنَّ أَسْمَاءَ الْأَجْنَاسِ تَقْتَضِي مِنْ الْعُمُومِ مَا تَقْتَضِيهِ أَسْمَاءُ الْجُمُوعِ، لَسْت أَقُولُ الْجِنْسُ الَّذِي يَفْصِلُ بَيْنَ وَاحِدِهِ وَكَثِيرِهِ الْهَاءُ: كَالنَّمِرِ وَالْبُرِّ وَالشَّجَرِ، فَإِنَّ حُكْمَ تِلْكَ حُكْمُ الْجُمُوعِ بِلَا رَيْبٍ، وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْمُ الْجِنْسِ الْمُفْرَدِ الدَّالِّ عَلَى الشَّيْءِ وَعَلَى مَا أَشْبَهَهُ: كَإِنْسَانٍ وَرَجُلٍ، وَفَرَسٍ وَثَوْبٍ، وَشِبْهِ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَخْبَرَ بِالْعَذَابِ مِنْ جِنْسِ الْبَوْلِ، وَجَبَ الِاحْتِرَازُ وَالتَّنَزُّهُ مِنْ جِنْسِ الْبَوْلِ، فَيَجْمَعُ ذَلِكَ جَمِيعَ أَبْوَالِ جَمِيعِ الدَّوَابِّ، وَالْحَيَوَانِ النَّاطِقِ، وَالْبَهِيمُ مَا يُؤْكَلُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ، فَيَدْخُلُ بَوْلُ الْأَنْعَامِ فِي هَذَا الْعُمُومِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ، وَهَذَا قَدْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ مَنْ يَدَّعِي الِاسْتِدْلَالَ بِالسَّمْعِ وَبَعْضِ الرَّأْيِ وَارْتَضَاهُ بَعْضُ مَنْ يَتَكَايَسُ، وَجَعَلَهُ مَفْزَعًا وَمَوْئِلًا.
الْمَسْلَكُ الثَّانِي: النَّظَرِيُّ: وَهُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: الْقِيَاسُ عَلَى الْبَوْلِ الْمُحَرَّمِ فَنَقُولُ: بَوْلٌ وَرَوْثٌ، فَكَانَ نَجِسًا كَسَائِرِ الْأَبْوَالِ، فَيَحْتَاجُ هَذَا الْقِيَاسُ أَنْ يُبَيِّنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute