الرَّابِعُ: أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، أَنَّ الْبَوْلَ كَانَ يُصِيبُهُ، وَلَا يَسْتَتِرُ مِنْهُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ بَوْلُ نَفْسِهِ. الْخَامِسُ: أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ: الْبَوْلُ كُلُّهُ نَجِسٌ، وَقَالَ: أَيْضًا: لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِ الْغَنَمِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْبَوْلَ الْمُطْلَقَ عِنْدَهُ هُوَ بَوْلُ الْإِنْسَانِ. السَّادِسُ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ لِلسَّامِعِ عِنْدَ تَجَرُّدِ قَلْبِهِ عَنْ الْوَسْوَاسِ، وَالتَّمْرِيحِ، فَإِنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ: «فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ» إلَّا بَوْلَ نَفْسِهِ، وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَخْطِرْ لِأَكْثَرِ النَّاسِ عَلَى بَالِهِمْ جَمِيعُ الْأَبْوَالِ مِنْ بَوْلِ بَعِيرٍ وَشَاةٍ، وَثَوْرٍ، لَكَانَ صِدْقًا.
السَّابِعُ: أَنْ يَكْفِيَ بِأَنْ يُقَالَ: إذَا احْتَمَلَ أَنْ يُرِيدَ بَوْلَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ، وَأَنْ يُرِيدَ جَمِيعَ جِنْسِ الْبَوْلِ، لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا، إلَّا بِدَلِيلٍ، فَيَقِفُ الِاسْتِدْلَال، وَهَذَا لَعَمْرِي تَنَزَّلَ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي قَدَّمْنَا أَصْلٌ مُسْتَقِرٌّ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْبَوْلِ الْمَعْهُودِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَوْلِ، وَهُوَ بَوْلُ نَفْسِهِ الَّذِي يُصِيبُهُ غَالِبًا، وَيَتَرَشْرَشُ عَلَى أَفْخَاذِهِ وَسُوقِهِ، وَرُبَّمَا اسْتَهَانَ بِإِنْقَائِهِ، وَلَمْ يَحْكُمْ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْهُ. فَأَمَّا بَوْلُ غَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّ حُكْمَهُ وَإِنْ سَاوَى حُكْمَ بَوْلِ نَفْسِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، بَلْ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَالِاسْتِوَاءُ فِي الْحَقِيقَةِ يُوجِبُ الِاسْتِوَاءَ فِي الْحُكْمِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَكَادُ يُصِيبُهُ بَوْلُ غَيْرِهِ، وَلَوْ أَصَابَهُ لَسَاءَهُ ذَلِكَ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ مَوْجُودٍ غَالِبٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: «اتَّقُوا الْبَوْلَ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» .
فَكَيْفَ يَكُونُ عَامَّةُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ شَيْءٍ لَا يَكَادُ يُصِيبُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ؟ وَهَذَا بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَبْوَالِ، فَسَوْفَ نَذْكُرُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْخَاصَّةِ عَلَى طَهَارَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ مِنْ هَذَا الِاسْمِ الْعَامِّ، وَمَعْلُومٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute