وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ خَمْرٌ فِي مَاءٍ، وَاسْتَحَالَتْ، ثُمَّ شَرِبَهَا شَارِبٌ، لَمْ يَكُنْ شَارِبًا لِلْخَمْرِ، وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ حَدُّ الْخَمْرِ، إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ طَعْمِهَا، وَلَوْنِهَا، وَرِيحِهَا.
وَلَوْ صَبَّ لَبَنَ امْرَأَةٍ فِي مَاءِ، وَاسْتَحَالَ حَتَّى لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ، وَشَرِبَ طِفْلٌ ذَلِكَ الْمَاءَ، لَمْ يَصِرْ ابْنَهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا بَاقٍ عَلَى أَوْصَافِ خِلْقَتِهِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومُ قَوْلِهِ {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [النساء: ٤٣] فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ لَا طَعْمِهِ، وَلَا رِيحِهِ، وَلَا لَوْنِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَعَنْ الِاغْتِسَالِ مِنْهُ.
قِيلَ: نَهْيُهُ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَنْجَسُ بِمُجَرَّدِ الْبَوْلِ، إذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، بَلْ قَدْ يَكُونُ نَهْيُهُ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ ذَرِيعَةٌ إلَى تَنْجِيسِهِ، فَإِنَّهُ إذَا بَالَ هَذَا تَغَيَّرَ بِالْبَوْلِ، فَكَانَ نَهْيًا مُبْتَدَأً سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. وَأَيْضًا فَيُقَالُ نَهْيُهُ عَنْ الْبَوْلِ ذَرِيعَةٌ إلَى تَنْجِيسِهِ، فَإِنَّهُ إذَا بَالَ هَذَا تَغَيَّرَ بِالْبَوْلِ، فَكَانَ نَهْيًا مُبْتَدَأً سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ. أَيْضًا فَيُقَالُ: نَهْيُهُ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، فَيُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُلَّتَيْنِ: أَتُجَوِّزُ بَوْلَهُ فِيمَا فَوْقَ الْقُلَّتَيْنِ، إنْ جَوَّزْته فَقَدْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ النَّصِّ، وَإِنْ حَرَّمْته فَقَدْ نَقَضْتَ دَلِيلَكَ.
وَكَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ، وَمَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ: أَتُسَوِّغُ لِلْحَاجِّ أَنْ يَبُولُوا فِي الْمَصَانِعِ الَّتِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ، إنْ جَوَّزْته فَقَدْ خَالَفْت ظَاهِرَ النَّصِّ، وَإِلَّا نَقَضْت قَوْلَك.
وَيُقَالُ لِلْمُقَدَّرِ بِعَشَرَةِ أَذْرُعٍ، إذَا كَانَ لِلْقَرْيَةِ غَدِيرٌ مُسْتَطِيلٌ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ رَقِيقٍ: أَتُسَوِّغُ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الْبَوْلَ فِيهِ، إنْ سَوَّغْته فَقَدْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ النَّصِّ، وَإِلَّا نَقَضْت قَوْلَك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute