وَنَهَى عَنْ قَتْلِ الضُّفْدَعِ لِأَجْلِ التَّدَاوِي بِهَا، وَقَالَ: «إنَّ نَقْنَقَتَهَا تَسْبِيحٌ» .
وَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا» .
وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِإِذْنِهِ لِلْعُرَنِيِّينَ فِي التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَلْبَانِهَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْخَبَائِثِ الْمُحَرَّمَةِ النَّجِسَةِ، لِنَهْيِهِ عَنْ التَّدَاوِي بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يَأْمُرْ بِغَسْلِ مَا يُصِيبُ الْأَبْدَانَ، وَالثِّيَابَ، وَالْآنِيَةَ مِنْ ذَلِكَ. وَإِذَا كَانَ الْقَائِلُونَ بِطَهَارَةِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ شُرْبِهَا لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ، وَفِيهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، فَذَاكَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْقَذَارَةِ الْمُلْحَقِ لَهَا بِالْمُخَاطِ، وَالْبُصَاقِ، وَالْمَعْنَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْتَقْذَرَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ، الَّتِي يُشْرَعُ النَّظَافَةُ مِنْهَا، كَمَا يُشْرَعُ نَتْفُ الْإِبْطِ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ، وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ، وَإِحْفَاءُ الشَّارِبِ. وَلِهَذَا أَيْضًا كَانَ هَذَا الضَّرْبُ مُحَرَّمًا فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَالْمَنْقُولَاتِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَآنِيَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى الصِّنْفَيْنِ، بِخِلَافِ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ، وَلِبَاسِ الْحَرِيرِ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ لِلنِّسَاءِ، وَبَابُ الْخَبَائِثِ بِالْعَكْسِ فَإِنَّهُ يُرَخَّصُ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ، فِيمَا يَنْفَصِلُ عَنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مَا لَا يُبَاحُ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهِ، كَمَا يُبَاحُ إطْفَاءُ الْحَرِيقِ بِالْخَمْرِ، وَإِطْعَامُ الْمَيْتَةِ لِلْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ، وَإِلْبَاسِ الدَّابَّةِ لِلثَّوْبِ النَّجِسِ، وَكَذَلِكَ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ فِي أَشْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. وَهَذَا لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْخَبَائِثِ فِيهَا يَجْرِي مَجْرَى الْإِتْلَافِ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ، وَكَذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الْمُنْفَصِلَةِ، بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ، فَإِنَّ هَذَا غَايَةُ السَّرَفِ، وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ غَلَطُ مَنْ رَخَّصَ مِنْ الْفُقَهَاءِ، مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، فِي إلْبَاسِ دَابَّتِهِ الثَّوْبَ الْحَرِيرَ، قِيَاسًا عَلَى إلْبَاسِ الثَّوْبِ النَّجِسِ، فَإِنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يُجَوِّزُ افْتِرَاشَ الْحَرِيرِ وَوَطْأَهُ قِيَاسًا عَلَى الْمُصَوَّرَاتِ، أَوْ مَنْ يُبِيحُ تَحْلِيَةَ دَابَّتِهِ بِالذَّهَبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute