وَحُرْمَةُ الْمُصْحَفِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَسَاجِدِ، وَمَعَ هَذَا إذَا اُضْطُرَّ الْجُنُبُ، وَالْمُحْدِثُ، وَالْحَائِضُ إلَى مَسِّهِ مَسَّهُ، فَإِذَا اُضْطُرَّ الطَّوَافُ الَّذِي لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ فِيهِ مُطْلَقًا، كَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ.
فَإِذَا قِيلَ: الطَّوَافُ مِنْهُ مَا هُوَ وَاجِبٌ. قِيلَ: وَمَسُّ الْمُصْحَفِ قَدْ يَجِبُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِصِيَانَتِهِ الْوَاجِبَةِ، وَالْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، أَوْ الْحَمْلِ الْوَاجِبِ، إذَا لَمْ يُمْكِنْ أَدَاءُ الْوَاجِبِ إلَّا بِمَسِّهِ.
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْحَائِضُ تَقْضِي الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ» . مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» . وَقَوْلِهِ: «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» . وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ» . بَلْ اشْتِرَاطُ الْوُضُوءِ فِي الصَّلَاةِ، وَخِمَارِ الْمَرْأَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَمَنْعِ الصَّلَاةِ بِدُونِ ذَلِكَ أَعْظَمُ مِنْ مَنْعِ الطَّوَافِ، وَإِذَا كَانَ قَدْ حُرِّمَ الْمَسْجِدُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، وَرُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تُنَاوِلَهُ الْخُمْرَةَ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَقَالَ لَهَا: «إنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ» فَبَيَّنَ أَنَّ الْحَيْضَةَ فِي الْفَرْجِ، وَالْفَرْجُ لَا يَنَالُ الْمَسْجِدَ، وَهَذِهِ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي إبَاحَتَهُ لِلْحَائِضِ مُطْلَقًا، لَكِنْ إذَا كَانَ قَدْ قَالَ: «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِجُنُبٍ، وَلَا حَائِضٍ» ، فَلَا بُدَّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ ذَلِكَ، وَالْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا نَاسِخًا لِلْآخَرِ، فَهَذَا مُجْمَلٌ، وَهَذَا خَاصٌّ فِيهِ إبَاحَةُ الْمُرُورِ، وَهُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute