للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَحْظُورَاتُ لَا تُبَاحُ إلَّا حَالَ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ بِهَا إلَى طَوَافِ الْوَدَاعِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ، وَلِهَذَا لَا يُوَدِّعُ الْمُقِيمُ بِمَكَّةَ، وَإِنَّمَا يُوَدِّعُ الْمُسَافِرُ عَنْهَا فَسَيَكُونُ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ، وَكَذَلِكَ طَوَافُ الْقُدُومِ لَيْسَتْ مُضْطَرَّةً إلَيْهِ، بَلْ لَوْ قَدِمَ الْحَاجُّ، وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَلَيْهِ، بَدَأَ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَطُفْ لِلْقُدُومِ، فَهُوَ إنْ أُمِرَ بِهِمَا الْقَادِرُ عَلَيْهِمَا إمَّا أَمْرُ إيجَابٍ فِيهِمَا، أَوْ فِي أَحَدِهِمَا، أَوْ اسْتِحْبَابٍ، فَإِنَّ لِلْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا. وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا رُكْنًا يَجِبُ عَلَى كُلِّ حَاجٍّ بِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، وَاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، بِخِلَافِ طَوَافِ الْفَرْضِ، فَإِنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَجَّ إلَّا بِهِ. وَهَذَا كَمَا يُبَاحُ لَهَا دُخُولُ الْمَسْجِدِ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا تَدْخُلُهُ لِصَلَاةٍ، وَلَا اعْتِكَافٍ، وَإِنْ كَانَ مَنْذُورًا، بَلْ الْمُعْتَكِفَةُ إذَا حَاضَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْمَسْجِدِ، وَنَصَبَتْ لَهَا قُبَّةً فِي فِنَائِهِ، وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْعَ الْحَائِضِ كَمَنْعِهَا مِنْ الِاعْتِكَافِ فِيهِ، لِحُرْمَةِ الْمَسْجِدِ، وَإِلَّا فَالْحَيْضُ لَا يُبْطِلُ اعْتِكَافَهَا؛ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَيْهِ، بَلْ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا لِلِاعْتِكَافِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مُضْطَرَّةً إلَى أَنْ تُقِيمَ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ أُبِيحَ لَهَا ذَلِكَ مَعَ دَوَامِ الْحَيْضِ، لَكَانَ فِي ذَلِكَ إبَاحَةُ الْمَسْجِدِ لِلْحُيَّضِ.

وَأَمَّا الطَّوَافُ: فَلَا يُمْكِنُ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِبُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ، لَيْسَ كَالِاعْتِكَافِ، فَإِنَّ الْمُعْتَكِفَ يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ: كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَالْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي حَالِ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ، لَيْسَ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ يُبَاشِرَ النِّسَاءَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] . وَقَوْلُهُ: {فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧] يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ {عَاكِفُونَ} [البقرة: ١٨٧] لَا بِقَوْلِهِ {تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧] فَإِنَّ الْمُبَاشَرَةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا تَجُوزُ لِلْمُعْتَكِفِ وَلَا لِغَيْرِهِ.

وَالْمُعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَاشِرَ إذَا خَرَجَ مِنْهُ، لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا يُشْبِهُ الِاعْتِكَافَ، وَالْحَائِضُ تَخْرُجُ لِمَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، فَلَمْ يَقْطَعْ الْحَيْضُ اعْتِكَافَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>