الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَمَّا طَهَارَةُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْعُلَمَاءِ، فِي الْجُمْلَةِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
الثَّانِي: لَا تَطْهُرُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَلِهَذَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمَدْبُوغِ فِي الْمَاءِ دُونَ الْمَائِعَاتِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْجَسُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَيْضًا، اخْتَارَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ. لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى هِيَ آخِرُ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، كَمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ: أَنَّهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ، ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بِآخِرَةٍ.
وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ قَالُوا: هِيَ مِنْ الْمَيْتَةِ، وَلَمْ يَصِحَّ فِي الدِّبَاغِ شَيْءٌ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ ذِكْرَ الدِّبَاغِ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَطَعَنَ هَؤُلَاءِ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ إذْ كَانُوا أَئِمَّةً لَهُمْ فِي الْحَدِيثِ اجْتِهَادٌ، وَقَالُوا: رَوَى عُيَيْنَةُ الدِّبَاغَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالزُّهْرِيُّ كَانَ يُجَوِّزُ اسْتِعْمَالَ جُلُودِ الْمَيْتَةِ بِلَا دِبَاغٍ، وَذَلِكَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ ذِكْرُ الدِّبَاغِ، وَتَكَلَّمُوا فِي ابْنِ وَعْلَةَ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ قَالُوا: أَحَادِيثُ الدِّبَاغِ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثِ ابْنِ عُكَيْمٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ: «كُنْت رَخَّصْت فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا أَتَاكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» .
فَكِلَا هَاتَيْنِ الْحُجَّتَيْنِ مَأْثُورَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ نَفْسِهِ فِي جَوَابِهِ وَمُنَاظَرَتِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْمَشْهُورَةِ.
وَقَدْ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالدِّبَاغِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ فَقَالَ: هَلَّا اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute