قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» . رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: مَا أَصْلَحَ إسْنَادَهُ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِأَنَّ الْإِهَابَ اسْمٌ لِلْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ، كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ النَّضْرُ ابْنُ شُمَيْلٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الدَّبْغِ فَإِنَّمَا هُوَ أَدِيمٌ، فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ الدَّبْغِ.
فَقَالَ الْمَانِعُونَ: هَذَا ضَعِيفٌ، فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ فِي أَرْضِ جُهَيْنَةَ. «إنِّي كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا، فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ، وَلَا عَصَبٍ» ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ " مِنْ رِوَايَةِ فَضَالَةَ بْنِ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ الْمِصْرِيِّ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ، لَكِنْ هُوَ شَدِيدٌ فِي التَّزْكِيَةِ، وَإِذَا كَانَ النَّهْيُ بَعْدَ الرُّخْصَةِ فَالرُّخْصَةُ إنَّمَا كَانَتْ فِي الْمَدْبُوغِ.
وَتَحْقِيقُ الْجَوَابِ: أَنْ يُقَالَ: حَدِيثُ ابْنِ عُكَيْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَدْبُوغِ. وَأَمَّا الرُّخْصَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهَا كَانَتْ لِلْمَدْبُوغِ وَغَيْرِهِ، وَلِهَذَا ذَهَبَ طَائِفَةٌ، مِنْهُمْ: الزُّهْرِيُّ، وَغَيْرُهُ إلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ، تَمَسُّكًا بِقَوْلِهِ الْمُطْلَقِ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ، قَوْلُهُ: «إنَّمَا حَرُمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا» .
فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ ثُمَّ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْجِلْدَ. وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «مَاتَتْ شَاةٌ لِسَوْدَةِ بِنْتِ زَمْعَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك وَسَلَّمَ، مَاتَتْ فُلَانَةُ - تَعْنِي الشَّاةَ - فَقَالَ: فَلَوْلَا أَخَذْتُمْ مَسْكَهَا فَقَالَتْ: آخُذُ مَسْكَ شَاةٍ قَدْ مَاتَتْ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّمَا قَالَ {لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} [الأنعام: ١٤٥] وَإِنَّكُمْ لَا تَطْعَمُونَهُ، إنْ تَدْبُغُوهُ تَنْتَفِعُوا بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute