للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَتَيَمَّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ؟ وَهَلْ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوْ يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ؟ أَوْ يُصَلِّي مَا شَاءَ كَمَا يُصَلِّي بِالْمَاءِ وَلَا يُنْقِضُهُ إلَّا مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَوْ الْقُدْرَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ؟ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ. فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمْسِسْهُ بَشَرَتَك، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُزِيلُهَا بِهِ صَلَّى فِي الْوَقْتِ وَعَلَيْهِ النَّجَاسَةُ، كَمَا صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا. وَلَمْ يُؤَخِّرْ الصَّلَاةَ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ.

وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا فَقِيلَ: يُصَلِّي عُرْيَانًا. وَقِيلَ: يُصَلِّي فِيهِ وَيُعِيدُ، وَقِيلَ: يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يُعِيدُ؛ وَهَذَا أَصَحُّ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعَبْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَرْضَ مَرَّتَيْنِ، إلَّا إذَا لَمْ يَفْعَلْ الْوَاجِبَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، مِثْلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا طُمَأْنِينَةٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ صَلَّى وَلَمْ يَطْمَئِنَّ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ. وَقَالَ: «ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ» .

وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ وَصَلَّى بِلَا وُضُوءٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ، كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَوَضَّأَ وَتَرَكَ لُمْعَةً فِي قَدَمِهِ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» .

فَأَمَّا مَنْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ بِحَسَبِ قُدْرَتِهِ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَمَنْ كَانَ مُسْتَيْقِظًا فِي الْوَقْتِ وَالْمَاءُ بَعِيدٌ مِنْهُ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ.

وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْبَرْدُ شَدِيدًا، وَيَضُرُّهُ الْمَاءُ الْبَارِدُ، وَلَا يُمْكِنُهُ الذَّهَابُ إلَى الْحَمَّامِ، أَوْ تَسْخِينُ الْمَاءِ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ. وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، فَإِذَا كَانَا جُنُبَيْنِ وَلَمْ يُمْكِنْهُمَا الِاغْتِسَالُ حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُمَا يُصَلِّيَانِ فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>