للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْفَقْرِ وَالزُّهْدِ، وَاتِّبَاعِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَالْمَعْرِفَةِ، فَهَؤُلَاءِ يُسْتَتَابُونَ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، فَإِنْ أَقَرُّوا بِالْوُجُوبِ، وَإِلَّا قُوتِلُوا، وَإِذَا أَصَرُّوا عَلَى جَحْدِ الْوُجُوبِ حَتَّى قُتِلُوا، كَانُوا مِنْ الْمُرْتَدِّينَ، وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ وَصَلَّى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا تَرَكَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ إمَّا أَنْ يَكُونُوا مُرْتَدِّينَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ جَاهِلِينَ لِلْوُجُوبِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ عَنْ الْإِسْلَامِ، فَالْمُرْتَدُّ إذَا أَسْلَمَ لَا يَقْضِي مَا تَرَكَهُ حَالَ الرِّدَّةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، كَمَا لَا يَقْضِي الْكَافِرُ إذَا أَسْلَمَ مَا تَرَكَ حَالَ الْكُفْرِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَالْأُخْرَى يَقْضِي الْمُرْتَدُّ. كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.

فَإِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ، وَطَائِفَةٍ مَعَهُ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: ٨٦] الْآيَةَ، وَاَلَّتِي بَعْدَهَا.

وَكَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، وَاَلَّذِينَ خَرَجُوا مَعَ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَنْزَلَ فِيهِمْ: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: ١١٠] . فَهَؤُلَاءِ عَادُوا إلَى الْإِسْلَامِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَرْحٍ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ عَامَ الْفَتْحِ، وَبَايَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِإِعَادَةِ مَا تَرَكَ حَالَ الْكُفْرِ فِي الرِّدَّةِ، كَمَا لَمْ يَكُنْ يَأْمُرُ سَائِرَ الْكُفَّارِ إذَا أَسْلَمُوا.

وَقَدْ ارْتَدَّ فِي حَيَاتِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ اتَّبَعُوا الْأَسْوَدَ الْعَنْسِيَّ الَّذِي تَنَبَّأَ بِصَنْعَاءِ الْيَمَنِ، ثُمَّ قَتَلَهُ اللَّهُ، وَعَادَ أُولَئِكَ إلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ.

وَتَنَبَّأَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ، وَاتَّبَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ، قَاتَلَهُمْ الصِّدِّيقُ وَالصَّحَابَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى أَعَادُوا مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَأْمُرُوا أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْقَضَاءِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمُرْتَدِّينَ بَعْدَ مَوْتِهِ.

وَكَانَ أَكْثَرُ الْبَوَادِي قَدْ ارْتَدُّوا ثُمَّ عَادُوا إلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِقَضَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>