للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَاسِيًا لَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِوُجُوبِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِوُجُوبِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ يَعْتَقِدُ مَعَهُ جَوَازَ التَّأْخِيرِ، وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهُ عَالِمًا عَمْدًا.

فَأَمَّا النَّاسِي لِلصَّلَاةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْهُ، بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا. لَا كَفَّارَةَ لَهَا إلَّا ذَلِكَ» وَقَدْ اسْتَفَاضَ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ: «أَنَّهُ نَامَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ فَصَلَّوْهَا بَعْدَ مَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ السُّنَّةُ وَالْفَرِيضَةُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ» .

وَكَذَلِكَ مَنْ نَسِيَ طَهَارَةَ الْحَدَثِ، وَصَلَّى نَاسِيًا: فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ بِطَهَارَةٍ بِلَا نِزَاعٍ، حَتَّى لَوْ كَانَ النَّاسِي إمَامًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ، وَلَا إعَادَةَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إذَا لَمْ يَعْلَمُوا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي الْمَنْصُوصِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ، كَمَا جَرَى لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -.

وَأَمَّا مَنْ نَسِيَ طَهَارَةَ الْخَبَثِ فَإِنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ فِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ؛ وَتِلْكَ مِنْ بَابِ تَرَكَ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَمَنْ فَعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ نَاسِيًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. كَمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِيمَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.

وَطَرْدُ ذَلِكَ فِيمَنْ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا، وَمَنْ تَطَيَّبَ وَلَبِسَ نَاسِيًا. كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ مَنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا كَمَا هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.

وَهُنَا مَسَائِلُ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا: مِثْلُ مَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ؛ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِهَا.

وَأَمَّا مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاهِلًا بِوُجُوبِهَا: مِثْلُ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لِلْفُقَهَاءِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ: أَحَدُهَا: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>