فَمَنْ تَكُونُ هَذِهِ شَرِيعَتَهُ وَسُنَّتَهُ كَيْفَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ حَائِلًا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّ الْمَرَاتِبَ أَرْبَعٌ.
أَمَّا الْغُلَاةُ: مِنْ الْمُوَسْوِسِينَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا عَلَى مَا يُفْرَشُ لِلْعَامَّةِ عَلَى الْأَرْضِ، لَكِنْ عَلَى سَجَّادَةٍ وَنَحْوِهَا، وَهَؤُلَاءِ كَيْفَ يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ، وَذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ، فَإِنَّ النِّعَالَ قَدْ لَاقَتْ الطَّرِيقَ الَّتِي مَشَوْا فِيهَا؛ وَاحْتَمَلَ أَنْ تُلْقِيَ النَّجَاسَةَ، بَلْ قَدْ يَقْوَى ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، فَإِذَا كَانُوا لَا يُصَلُّونَ عَلَى الْأَرْضِ مُبَاشِرِينَ لَهَا بِأَقْدَامِهِمْ، مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْقِفَ الْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةُ، وَلَا يُلَاقُونَهُ إلَّا وَقْتَ الصَّلَاةِ، فَكَيْفَ بِالنِّعَالِ الَّتِي تَكَرَّرَتْ مُلَاقَاتُهَا لِلطُّرُقَاتِ، الَّتِي تَمْشِي فِيهَا الْبَهَائِمُ وَالْآدَمِيُّونَ، وَهِيَ مَظِنَّةُ النَّجَاسَةِ، وَلِهَذَا هَؤُلَاءِ إذَا صَلَّوْا عَلَى جِنَازَةٍ وَضَعُوا أَقْدَامَهُمْ عَلَى ظَاهِرِ النِّعَالِ؛ لِئَلَّا يَكُونُوا حَامِلِينَ لِلنَّجَاسَةِ، وَلَا مُبَاشِرِينَ لَهَا.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَوَرَّعُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى مَا فِي أَسْفَلِهِ نَجَاسَةٌ خِلَافًا مَعْرُوفًا، فَيُفْرَشُ لِأَحَدِهِمْ مَفْرُوشٌ عَلَى الْأَرْضِ، وَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ أَبْعَدُ الْمَرَاتِبِ عَنْ السُّنَّةِ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْحَصِيرِ وَنَحْوِهَا دُونَ الْأَرْضِ وَمَا يُلَاقِيهَا. الثَّالِثَةُ: أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْأَرْضِ، وَلَا يُصَلِّي فِي النَّعْلِ الَّذِي تَكَرَّرَ مُلَاقَاتُهَا لِلطُّرُقَاتِ؛ فَإِنَّ طَهَارَةَ مَا يَتَحَرَّى الْأَرْضَ قَدْ يَكُونُ طَاهِرًا، وَاحْتِمَالُ تَنْجِيسِهِ بَعِيدٌ، بِخِلَافِ أَسْفَلِ النَّعْلِ.
الرَّابِعَةُ: أَنْ يُصَلِّيَ فِي النَّعْلَيْنِ، وَإِذَا وَجَدَ فِيهِمَا أَذًى دَلَّكَهُمَا بِالتُّرَابِ كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَهَذِهِ الْمَرْتَبَةُ هِيَ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا السُّنَّةُ. فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ سُنَّتُهُ هِيَ هَذِهِ الْمَرْتَبَةَ الرَّابِعَةَ: امْتَنَعَ أَنْ يَسْتَحِبَّ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ حَائِلًا مِنْ سَجَّادَةٍ وَغَيْرِهَا؛ لِأَجْلِ الِاحْتِرَازِ مِنْ النَّجَاسَةِ. فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ حَدِيثِ الْخُمْرَةِ عَلَى أَنَّهُ وَضَعَهَا لِاتِّقَاءِ النَّجَاسَةِ فَبَطَلَ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا إذَا كَانَتْ لِاتِّقَاءِ الْحَرِّ فَهَذَا يُسْتَعْمَلُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِذَلِكَ، وَإِذَا اُسْتُغْنِيَ عَنْهُ لَمْ يُفْعَلْ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْخُمْرَةَ لَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَا الصَّحَابَةَ. وَلَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمْ يَتَّخِذُ لَهُ خُمْرَةً، بَلْ كَانُوا يَسْجُدُونَ عَلَى التُّرَابِ وَالْحَصَى، كَمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا أَوْ سُنَّةً لَفَعَلُوهُ، وَلَأَمَرَهُمْ بِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ كَانَ رُخْصَةً لِأَجْلِ الْحَاجَةِ إلَى مَا يَدْفَعُ الْأَذَى عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute