عُلِمَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا شِعَارَهُمْ، وَكَانُوا يُسَبِّحُونَ وَيَعْقِدُونَ عَلَى أَصَابِعِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «اعْقِدْنَ بِالْأَصَابِعِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ، مُسْتَنْطَقَاتٌ» وَرُبَّمَا عَقَدَ أَحَدُهُمْ التَّسْبِيحَ بِحَصًى أَوْ نَوًى. وَالتَّسْبِيحُ بِالْمَسَابِحِ مِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ، لَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ: إنَّ التَّسْبِيحَ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْبِيحِ بِالْأَصَابِعِ، وَغَيْرِهَا، وَإِذَا كَانَ هَذَا مُسْتَحَبًّا يَظْهَرُ فَقَصْدُ إظْهَارِ ذَلِكَ وَالتَّمَيُّزُ بِهِ عَلَى النَّاسِ مَذْمُومٌ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ رِيَاءً فَهُوَ تَشَبُّهٌ بِأَهْلِ الرِّيَاءِ، إذْ كَثِيرٌ مِمَّنْ يَصْنَعُ هَذَا يَظْهَرُ مِنْهُ الرِّيَاءُ وَلَوْ كَانَ رِيَاءً بِأَمْرٍ مَشْرُوعٍ لَكَانَتْ إحْدَى الْمُصِيبَتَيْنِ؛ لَكِنَّهُ رِيَاءٌ لَيْسَ مَشْرُوعًا. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا} [الملك: ٢] . قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ. قَالُوا: يَا أَبَا عَلِيٍّ، مَا أَخْلَصُهُ؟ وَأَصْوَبُهُ؟ قَالَ: إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ، وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ، حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا، وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ.
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْفُضَيْلُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ فِي الْعَمَلِ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا مَأْمُورًا بِهِ، وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠] . وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: " اللَّهُمَّ اجْعَلْ عَمَلِي كُلَّهُ صَالِحًا، وَاجْعَلْهُ لِوَجْهِك خَالِصًا، وَلَا تَجْعَلْ لِأَحَدٍ فِيهِ شَيْئًا ". وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: ١١٢] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا} [النساء: ١٢٥] .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ. مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَإِنِّي مِنْهُ بَرِيءٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute