للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النُّطْقَ بِالتَّكْبِيرِ، لَا بِالنِّيَّةِ. وَلَكِنَّ التَّلَفُّظَ بِهَا هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ؟ أَمْ لَا؟ هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ مَعْرُوفَانِ لِلْفُقَهَاءِ.

مِنْهُمْ مَنْ اسْتَحَبَّ التَّلَفُّظَ بِهَا، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالُوا: التَّلَفُّظُ بِهَا أَوْكَدُ، وَاسْتَحَبُّوا التَّلَفُّظَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَسْتَحِبَّ التَّلَفُّظَ بِهَا، كَمَا قَالَ ذَلِكَ مَنْ قَالَهُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، وَغَيْرِهِمَا. وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ مَالِكٍ، وَأَحْمَدَ، سُئِلَ تَقُولُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا.

وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَقُولُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ يَتَلَفَّظُ بِالنِّيَّةِ، لَا فِي الطَّهَارَةِ، وَلَا فِي الصَّلَاةِ، وَلَا فِي الصِّيَامِ، وَلَا فِي الْحَجِّ. وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ، وَلَا خُلَفَاؤُهُ، وَلَا أَمَرَ أَحَدًا أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالنِّيَّةِ بَلْ قَالَ لِمَنْ عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ: كَبِّرْ؛ كَمَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» . وَلَمْ يَتَلَفَّظْ قَبْلَ التَّكْبِيرِ بِنِيَّةٍ، وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا عَلَّمَ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَعَلِمَهُ الْمُسْلِمُونَ.

وَكَذَلِكَ فِي الْحَجِّ إنَّمَا كَانَ يَسْتَفْتِحُ الْإِحْرَامَ بِالتَّلْبِيَةِ، وَشَرَعَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُلَبُّوا فِي أَوَّلِ الْحَجِّ، «وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي، فَقُولِي: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، وَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» فَأَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِطَ بَعْدَ التَّلْبِيَةِ.

وَلَمْ يُشْرَعْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ التَّلْبِيَةِ شَيْئًا. لَا يَقُولَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدَ الْعُمْرَةَ وَالْحَجَّ، وَلَا الْحَجَّ وَالْعَمْرَةَ، وَلَا يَقُولَ: فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي، وَلَا يَقُولَ: نَوَيْتُهُمَا جَمِيعًا، وَلَا يَقُولَ: أَحْرَمْتُ لِلَّهِ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا. وَلَا يَقُولَ قَبْلَ التَّلْبِيَةِ شَيْئًا، بَلْ جَعَلَ التَّلْبِيَةَ فِي الْحَجِّ كَالتَّكْبِيرِ فِي الصَّلَاةِ.

وَكَانَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ يَقُولُونَ: فُلَانٌ أَهَلَّ بِالْحَجِّ، أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، أَوْ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا. كَمَا يُقَالُ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ، وَالْإِهْلَالُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَكَانَ يَقُولُ فِي تَلْبِيَتِهِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>