أَوْكَدُ، وَأَتَمُّ تَحْقِيقًا لِلنِّيَّةِ، وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، بَلْ رَأَوْا أَنَّهُ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ. قَالُوا: لَوْ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لَأَمَرَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ بَيَّنَ كُلَّ مَا يُقَرِّبُ إلَى اللَّهِ، لَا سِيَّمَا الصَّلَاةَ الَّتِي لَا تُؤْخَذُ صِفَتُهَا إلَّا عَنْهُ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» .
قَالَ هَؤُلَاءِ فَزِيَادَةُ هَذَا وَأَمْثَالِهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الزِّيَادَاتِ الْمُحْدَثَةِ فِي الْعِبَادَاتِ، كَمَنْ زَادَ فِي الْعِيدَيْنِ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ، وَمَنْ زَادَ فِي السَّعْيِ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الْمَرْوَةِ، وَأَمْثَالَ ذَلِكَ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّلَفُّظَ بِالنِّيَّةِ فَاسِدٌ فِي الْعَقْلِ؛ فَإِنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ أَنْوِي أَنْ أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا، بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ أَنْوِي آكُلُ هَذَا الطَّعَامَ لِأَشْبَعَ، وَأَنْوِي أَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ لَاسْتَتَرَ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ النِّيَّاتِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْقَلْبِ الَّتِي يُسْتَقْبَحُ النُّطْقُ بِهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الحجرات: ١٦] . وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان: ٩] قَالُوا: لَمْ يَقُولُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، وَإِنَّمَا عَلِمَهُ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِهِمْ، فَأَخْبَرَ بِهِ عَنْهُمْ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي الْقَلْبِ بِلَا نِزَاعٍ. وَأَمَّا التَّلَفُّظُ بِهَا سِرًّا فَهَلْ يُكْرَهُ أَوْ يُسْتَحَبُّ؟ فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَأَمَّا الْجَهْرُ بِهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَكَذَلِكَ تَكْرِيرُهَا أَشَدُّ وَأَشَدُّ.
وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا يُشْرَعُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَجْهَرَ بِلَفْظِ النِّيَّةِ، وَلَا يُكَرِّرُهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ بَلْ يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ، بَلْ جَهْرُ الْمُنْفَرِدِ بِالْقِرَاءَةِ إذَا كَانَ فِيهِ أَذًى لِغَيْرِهِ لَمْ يُشْرَعْ، كَمَا خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute