وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ حَتَّى فِي السُّجُودِ، فَلَيْسَتْ هِيَ السُّنَّةُ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهَا، وَلَكِنَّ الْأُمَّةَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ مَعَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ.
وَأَمَّا رَفْعُهُمَا عِنْدَ الرُّكُوعِ، وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ. كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَعُلَمَاءِ الْآثَارِ، فَإِنَّهُمْ عَرَفُوا ذَلِكَ - لِمَا أَنَّهُ اسْتَفَاضَتْ بِهِ السُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ.
فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، وَإِذَا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ، وَلَا كَذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ» وَثَبَتَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ: مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ، وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٌ، وَأَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ: فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَحَدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - إذَا رَأَى مَنْ يُصَلِّي وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ حَصَبَهُ. وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لَهُ بِكُلِّ إشَارَةٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ.
وَالْكُوفِيُّونَ حُجَّتُهُمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَهُمْ مَعْذُورُونَ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُمْ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ؛ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ هُوَ الْفَقِيهُ الَّذِي بَعَثَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِيُعَلِّمَ أَهْلَ الْكُوفَةِ السُّنَّةَ؛ لَكِنْ قَدْ حَفِظَ الرَّفْعَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، وَابْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْفَعْ إلَّا أَوَّلَ مَرَّةٍ؛ لَكِنَّهُمْ رَأَوْهُ يُصَلِّي وَلَا يَرْفَعُ، إلَّا أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَالْإِنْسَانُ قَدْ يَنْسَى، وَقَدْ يُذْهَلُ، وَقَدْ خَفِيَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ التَّطْبِيقُ فِي الصَّلَاةِ؛ فَكَانَ يُصَلِّي، وَإِذَا رَكَعَ طَبَّقَ بَيْنَ يَدَيْهِ، كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ إنَّ التَّطْبِيقَ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأُمِرُوا بِالرُّكَبِ، وَهَذَا لَمْ يَحْفَظْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ؛ فَإِنَّ الرَّفْعَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ لَيْسَ مِنْ نَوَاقِضِ الصَّلَاةِ: بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا رَفْعٍ وَإِذَا رَفَعَ كَانَ أَفْضَلَ وَأَحْسَنَ.
وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُتَّبِعًا لِأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ مَالِكٍ أَوْ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحْمَدَ: وَرَأَى فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ أَنَّ مَذْهَبَ غَيْرِهِ أَقْوَى فَاتَّبَعَهُ كَانَ قَدْ أَحْسَنَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute