وَفِي الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ الْمَكْتُوبَةِ إمَّا عَشْرَ رَكَعَاتٍ، وَإِمَّا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً» ، «وَكَانَ يَقُومُ مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً» ، فَكَانَ مَجْمُوعُ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً، كَانَ يُوتِرُ صَلَاةَ النَّهَارِ بِالْمَغْرِبِ، وَيُوتِرُ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِوِتْرِ اللَّيْلِ. وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، وَقَالَ: فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ» كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ «أَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَإِقَامَتِهَا رَكْعَتَيْنِ، وَهُوَ يَرَاهُمْ وَلَا يَنْهَاهُمْ» ، فَإِذَا كَانَ التَّطَوُّعُ بَيْنَ أَذَانَيْ الْمَغْرِبِ مَشْرُوعًا، فَلَأَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا بَيْنَ أَذَانَيْ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ السُّنَّةَ تَعْجِيلُ الْمَغْرِبِ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَقَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَقَبْلَ الْعِشَاءِ: مِنْ التَّطَوُّعِ الْمَشْرُوعِ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا بِقَوْلِهِ، وَلَا دَاوَمَ عَلَيْهَا بِفِعْلِهِ.
وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ سُنَّةٌ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْعَصْرِ قَضَاهَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَقَدْ غَلِطَ، وَإِنَّمَا كَانَتْ تِلْكَ رَكْعَتَيْ الظُّهْرِ لَمَّا فَاتَتْهُ قَضَاهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَمَا يُفْعَلُ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُوَ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَلَمْ يَقْضِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ.
وَالتَّطَوُّعُ الْمَشْرُوعُ كَالصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ، وَكَالصَّلَاةِ وَقْتَ الضُّحَى، وَنَحْوَ ذَلِكَ، هُوَ كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ مِنْ الذِّكْرِ الْقِرَاءَةُ وَالدُّعَاءُ مِمَّا قَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا لِمَنْ لَا يَشْتَغِلُ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ مُسْتَحَبًّا لِمَنْ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ، وَالْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْقَلِيلِ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرٍ لَا يُدَاوَمُ عَلَيْهِ؛ وَلِهَذَا كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيمَةً.
وَاسْتَحَبَّ الْأَئِمَّةُ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَدَدٌ مِنْ الرَّكَعَاتِ يَقُومُ بِهَا مِنْ اللَّيْلِ لَا يَتْرُكُهَا، فَإِنْ نَشِطَ أَطَالَهَا، وَإِنْ كَسِلَ خَفَّفَهَا، وَإِذَا نَامَ عَنْهَا صَلَّى بَدَلَهَا مِنْ النَّهَارِ، كَمَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute