أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ لَهُ فِي الْقِرَاءَةِ: اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ، فَمَا زَالَ يُزَايِدُهُ حَتَّى قَالَ اقْرَأْ فِي سَبْعٍ. وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ أَفْضَلَ الْقِيَامِ قِيَامُ دَاوُد، وَقَالَ لَهُ: إنَّ لِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا، وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا وَلِزَوْجِك عَلَيْك حَقًّا، فَآتِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» فَبَيَّنَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى هَذَا الْعَمَلِ تُغَيِّرُ الْبَدَنَ وَالنَّفْسَ وَتَمْنَعُ مِنْ فِعْلِ مَا هُوَ أَجْرٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَامِ لِحَقِّ النَّفْسِ وَالْأَهْلِ وَالزَّوْجِ.
وَأَفْضَلُ الْجِهَادِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ مَا كَانَ أَطْوَعَ لِلرَّبِّ، وَأَنْفَعَ لِلْعَبْدِ، فَإِذَا كَانَ يَضُرُّهُ وَيَمْنَعُهُ مِمَّا هُوَ أَنْفَعُ مِنْهُ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ صَالِحًا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رِجَالًا قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأَصُومُ لَا أُفْطِرُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَأَقُومُ لَا أَنَامُ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ اللَّحْمَ، وَقَالَ الْآخَرُ: أَمَّا أَنَا فَلَا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَالُ رِجَالٍ يَقُولُ أَحَدُهُمْ كَيْتَ وَكَيْتَ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَقُومُ وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَآكُلُ اللَّحْمَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مِثْلَ هَذَا الزُّهْدِ الْفَاسِدِ، وَالْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ لَيْسَتْ مِنْ سُنَّتِهِ، فَمَنْ رَغِبَ فِيهَا عَنْ سُنَّتِهِ فَرَآهَا خَيْرًا مِنْ سُنَّتِهِ فَلَيْسَ مِنْهُ.
وَقَدْ قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: " عَلَيْكُمْ بِالسَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ عَبْدٍ عَلَى السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَاقْشَعَرَّ جِلْدُهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، إلَّا تَحَاتَتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ، كَمَا يَتَحَاتُّ الْوَرَقُ الْيَابِسُ عَنْ الشَّجَرِ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ عَلَى السَّبِيلِ وَالسُّنَّةِ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا. فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ إلَّا لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ أَبَدًا، وَإِنْ اقْتِصَادًا فِي سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ اجْتِهَادٍ فِي خِلَافِ سَبِيلٍ وَسُنَّةٍ، فَاحْرِصُوا أَنْ تَكُونَ أَعْمَالُكُمْ إنْ كَانَتْ اجْتِهَادًا أَوْ اقْتِصَادًا عَلَى مِنْهَاجِ الْأَنْبِيَاءِ وَسُنَّتِهِمْ ". وَكَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: " اقْتِصَادٌ فِي سُنَّةٍ خَيْرٌ مِنْ اجْتِهَادٍ فِي بِدْعَةٍ ".
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ فِي سَرْدِ الصَّوْمِ: إذَا أَفْطَرَ يَوْمَيْ الْعِيدَيْنِ، وَأَيَّامَ مِنًى، فَاسْتَحَبَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute