للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ ذُكِرَتْ فِي مَقَامِ الطَّلَبِ وَالدُّعَاءِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَفِي مَقَامِ الْخَبَرِ وَالْقِصَّةِ؛ إذْ قَوْلُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ " جُمْلَةٌ طَلَبِيَّةٌ، وَقَوْلُهُ " صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ " جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ، وَالْجُمْلَةُ الطَّلَبِيَّةُ إذَا بُسِطَتْ كَانَ مُنَاسِبًا؛ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الطَّلَبِ، وَيَنْقُصُ بِنُقْصَانِهِ.

وَأَمَّا الْخَبَرُ فَهُوَ خَبَرٌ عَنْ أَمْرٍ قَدْ وَقَعَ وَانْقَضَى، لَا يَحْتَمِلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَلَمْ يُمْكِنْ فِي زِيَادَةِ اللَّفْظِ زِيَادَةُ الْمَعْنَى، فَكَانَ الْإِيجَازُ فِيهِ وَالِاخْتِصَارُ أَكْمَلَ وَأَتَمَّ وَأَحْسَنَ؛ وَلِهَذَا جَاءَ بِلَفْظِ آلِ إبْرَاهِيمَ تَارَةً، وَبِلَفْظِ إبْرَاهِيمَ أُخْرَى؛ لِأَنَّ كِلَا اللَّفْظَيْنِ يَدُلُّ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْآخَرُ، وَهُوَ الصَّلَاةُ الَّتِي وَقَعَتْ وَمَضَتْ، إذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى إبْرَاهِيمَ الَّتِي وَقَعَتْ هِيَ الصَّلَاةُ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَالصَّلَاةُ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ صَلَاةٌ عَلَى إبْرَاهِيمَ، فَكَانَ الْمُرَادُ بِاللَّفْظَيْنِ وَاحِدًا مَعَ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ.

وَأَمَّا فِي الطَّلَبِ، فَلَوْ قِيلَ: " صَلِّ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ " لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، إذْ هُوَ طَلَبٌ وَدُعَاءٌ يَنْشَأُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَيْسَ خَبَرًا عَنْ أَمْرٍ قَدْ وَقَعَ وَاسْتَقَرَّ، وَلَوْ قِيلَ: صَلِّ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، لَكَانَ إنَّمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ فِي الْعُمُومِ. فَقِيلَ: عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ، وَبِالصَّلَاةِ عَلَى آلِهِ.

ثُمَّ إنْ قِيلَ: إنَّهُ دَاخِلٌ فِي آلِهِ مَعَ الِاقْتِرَانِ، كَمَا هُوَ دَاخِلٌ مَعَ الْإِطْلَاقِ، فَقَدْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ خُصُوصًا وَعُمُومًا، وَهَذَا يَنْشَأُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: الْعَامُّ الْمَعْطُوفُ عَلَى الْخَاصِّ يَتَنَاوَلُ الْخَاصَّ.

وَلَوْ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ لَمْ يَضُرَّ؛ فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ خُصُوصًا تُغْنِي.

وَأَيْضًا فَفِي ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى سَائِرِ الْآلِ إنَّمَا طُلِبَتْ تَبَعًا لَهُ وَأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي بِسَبَبِهِ طُلِبَتْ الصَّلَاةُ عَلَى آلِهِ، وَهَذَا يَتِمُّ بِجَوَابِ السُّؤَالِ الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: " كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ " يُشْعِرُ بِفَضِيلَةِ إبْرَاهِيمَ، لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَقَدْ أَجَابَ النَّاسُ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ ضَعِيفَةٍ.

فَقِيلَ: التَّشْبِيهُ عَائِدٌ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْأَوَّلِ فَقَطْ، فَقَوْلُهُ: " صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ " كَلَامٌ مُنْقَطِعٌ، وَقَوْلُهُ: " وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ " كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، وَهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>