كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي إمَامًا بِقَوْمِهِ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي إمَامًا، وَقَدْ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ مُعَلِّمًا لَهُمْ، فَلَوْ كَانَ هَذَا مَشْرُوعًا لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مُجْتَمِعَيْنِ عَلَى ذَلِكَ، كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ لَكَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك، فَلَمَّا ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ذَلِكَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ «الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، قَالَ: فَسَمِعْته يَقُولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَك يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَك، أَوْ يَوْمَ تَجْمَعُ عِبَادَك» فَهَذَا فِيهِ دُعَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ، كَمَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ، وَكِلَاهُمَا إمَامٌ.
وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْمَأْمُومِينَ، وَأَنَّهُ لَا يَدْعُو بِصِيغَةِ الْجَمْعِ، وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيثَ مُعَاذٍ بَعْضُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْأَحْكَامِ: فِي الْأَدْعِيَةِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ، مُوَافَقَةً لِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ، كَمَا فِي مُسْلِمٍ، وَالسُّنَنِ الثَّلَاثَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» . فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ جَهَنَّم، وَأَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» . وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ: مَا تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ، أَمَا وَاَللَّهِ مَا أُحْسِنُ دَنْدَنَتَك، وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلَهُمَا نُدَنْدِنُ» ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ دَنْدَنَتَهُمَا أَيْضًا بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ، لِيَكُونَ نَظِيرَ مَا قَالَهُ. وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُك شُكْرَ نِعْمَتِك، وَحُسْنَ عِبَادَتِك، وَأَسْأَلُك قَلْبًا سَلِيمًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute