رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَدْخَلَانِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَكُنْت إذَا دَخَلْت عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي يَتَنَحْنَحُ لِي» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالنَّسَائِيُّ بِمَعْنَاهُ.
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى طَبْعًا لَا وَضْعًا فَمِنْهُ النَّفْخُ وَفِيهِ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ أَيْضًا: إحْدَاهُمَا: لَا تَبْطُلُ، وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ السَّلَفِ، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَإِسْحَاقَ.
وَالثَّانِيَةُ: إنَّهَا تَبْطُلُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَالثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُبْطِلُ فِيهِ مَا أَبَانَ حَرْفَيْنِ.
وَقَدْ قِيلَ عَنْ أَحْمَدَ: إنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْكَلَامِ، وَإِنْ لَمْ يَبْنِ حَرْفَيْنِ. وَاحْتَجُّوا لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ تَكَلَّمَ» رَوَاهُ الْخَلَّالُ؛ لَكِنْ مِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا، فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ، لَكِنْ حَكَى أَحْمَدُ هَذَا اللَّفْظَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ: النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ، رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ تَضَمَّنَ حَرْفَيْنِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ جِنْسِ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَ الْقَهْقَهَةَ، وَالْحُجَّةُ مَعَ الْقَوْلِ، كَمَا فِي النَّحْنَحَةِ، وَالنِّزَاعُ كَالنِّزَاعِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى كَلَامًا فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَتَنَاوَلُهُ عُمُومُ النَّهْيِ عَنْ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ لَمْ يَحْنَثْ بِهَذِهِ الْأُمُورِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَتَكَلَّمَنَّ لَمْ يَبْرَأْ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَالْكَلَامُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الْمَعْنَى، دَلَالَةً وَضْعِيَّةً، تُعْرَفُ بِالْعَقْلِ، فَأَمَّا مُجَرَّدُ الْأَصْوَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَحْوَالِ الْمُصَوِّتِينَ، فَهُوَ دَلَالَةٌ طَبْعِيَّةٌ حِسِّيَّةٌ، فَهُوَ وَإِنْ شَارَكَ الْكَلَامَ الْمُطْلَقَ فِي الدَّلَالَةِ فَلَيْسَ كُلُّ مَا دَلَّ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ، كَالْإِشَارَةِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ وَتَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ، بَلْ تَدُلُّ بِقَصْدِ الْمُشِيرِ، وَهِيَ تُسَمَّى كَلَامًا، وَمَعَ هَذَا لَا تَبْطُلُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَلَّمُوا عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِالْإِشَارَةِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ كُلِّ مَا يُدِلُّ وَيُفْهِمُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَصَدَ التَّنْبِيهَ بِالْقُرْآنِ وَالتَّسْبِيحَ جَازَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute