وَمُسْتَنَدُهُمْ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، وَغَيْرُهُ. فَظَنُّوا أَنَّ الْمُرَادَ سَجْدَتَانِ مُجَرَّدَتَانِ، وَغَلِطُوا. فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ. كَمَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، فَإِنَّ السَّجْدَةَ يُرَادُ بِهَا الرَّكْعَةُ، كَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ: «حَفِظْت مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ» الْحَدِيثَ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ رَكْعَتَانِ، كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْفَجْرِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ الْفَجْرَ» أَرَادَ بِهِ رَكْعَةً. كَمَا جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَظَنَّ بَعْضٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا سَجْدَةٌ مُجَرَّدَةٌ، وَهُوَ غَلَطٌ. فَإِنَّ تَعْلِيقَ الْإِدْرَاكِ بِسَجْدَةٍ مُجَرَّدَةٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ بَلْ لَهُمْ فِيمَا تُدْرَكُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
أَصَحُّهَا: أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ وَلَا الْجَمَاعَةِ إلَّا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ، لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجَمَاعَةِ بِتَكْبِيرَةٍ. وَقَدْ اسْتَفَاضَ عَنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ صَلَّى أَرْبَعًا. وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» . وَعَلَى هَذَا إذَا أَدْرَكَ الْمُسَافِرُ خَلْفَ الْمُقِيمِ رَكْعَةً: فَهَلْ يُتِمُّ، أَوْ يَقْصُرُ؟ فِيهَا قَوْلَانِ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ لَفْظَ " السَّجْدَةِ " الْمُرَادُ بِهِ الرَّكْعَةُ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ يُعَبَّرُ عَنْهَا بِأَبْعَاضِهَا، فَتُسَمَّى قِيَامًا، وَقُعُودًا، وَرُكُوعًا، وَسُجُودًا وَتَسْبِيحًا وَقُرْآنًا.
وَأَنْكَرُ مِنْ هَذَا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ سَجْدَةً مُفْرَدَةً، فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ. وَالْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الشَّرْعِ وَالِاتِّبَاعِ، لَا عَلَى الْهَوَى وَالِابْتِدَاعِ؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلَيْنِ: أَنْ لَا نَعْبُدَ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ، وَأَنْ نَعْبُدَهُ بِمَا شَرَعَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَعْبُدُهُ بِالْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا الصَّلَاةُ " الزَّحَّافَةُ " وَقَوْلُهُمْ: مَنْ لَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ: وَمُرَادُهُمْ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا، فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَإِنْ تَرَكَهَا طُولَ عُمْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَلَا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمْرِهِ. لَا يَكُونُ بِذَلِكَ مِنْ أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute