لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُطِيلَ بِهِمْ الْقِيَامَ، فَكَثَّرَ الرَّكَعَاتِ لِيَكُونَ ذَلِكَ عِوَضًا عَنْ طُولِ الْقِيَامِ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ ضِعْفَ عَدَدِ رَكَعَاتِهِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَقُومُ بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ ضَعُفُوا عَنْ طُولِ الْقِيَامِ فَكَثَّرُوا الرَّكَعَاتِ حَتَّى بَلَغَتْ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ.
وَمِمَّا يُنَاسِبُ هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا فَرَضَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمَكَّةَ: فَرَضَهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ، وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ زِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ، وَجُعِلَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا، لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ، وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَجْرِ فَأُقِرَّتْ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَجْلِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ» .
وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ: أَيُّمَا أَفْضَلُ: إطَالَةُ الْقِيَامِ؟ أَمْ تَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؟ أَمْ هُمَا سَوَاءٌ؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: وَهِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَحْمَدَ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ «أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: طُولُ الْقُنُوتِ» .
وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّك لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إلَّا رَفَعَك اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً؛ وَحَطَّ عَنْك بِهَا خَطِيئَةً» . «وَقَالَ لِرَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ. أَعِنِّي عَلَى نَفْسِك بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّجُودَ فِي نَفْسِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِيَامِ، وَلَكِنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ، وَهُوَ الْقِرَاءَةُ، وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الصَّلَاةِ أَنْ تَكُونَ مُعْتَدِلَةً. فَإِذَا أَطَالَ الْقِيَامَ يُطِيلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، كَمَا رَوَاهُ حُذَيْفَةُ وَغَيْرُهُ. وَهَكَذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ الْفَرِيضَةَ، وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ، وَغَيْرُهُمَا: كَانَتْ صَلَاتُهُ مُعْتَدِلَةً، فَإِنْ فَضَّلَ مُفَضِّلٌ إطَالَةَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ تَقْلِيلِ الرَّكَعَاتِ وَتَخْفِيفِ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ: فَهَذَانِ مُتَقَارِبَانِ. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا صَلَّى الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُخَفِّفُهُنَّ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ. وَكَمَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ لَمَّا شَقَّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ إطَالَةُ الْقِيَامِ.
وَقَدْ تَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْقُنُوتَ يَكُونُ عِنْدَ النَّوَازِلِ، وَأَنَّ الدُّعَاءَ فِي الْقُنُوتِ لَيْسَ شَيْئًا مُعَيَّنًا، وَلَا يَدْعُو بِمَا خَطَرَ لَهُ، بَلْ يَدْعُو مِنْ الدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ بِمَا يُنَاسِبُ سَبَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute