للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْت أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ» الْحَدِيثُ.

وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ: «لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ، لَأَمَرْت أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ» الْحَدِيثُ.

فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ هَمَّ بِتَحْرِيقِ الْبُيُوتِ عَلَى مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الصَّلَاةَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ فِيهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ.

فَإِنَّهُمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ شُهُودُ الصَّلَاةِ، وَفِي تَحْرِيقِ الْبُيُوتِ قَتْلُ مَنْ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ، وَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الْحُبْلَى.

وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح: ٢٥] .

وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى تَرْكِ شُهُودِ الْجُمُعَةِ، فَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يُبَيِّنُ ضَعْفَ قَوْلِهِ حَيْثُ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِهَمِّهِ بِتَحْرِيقِ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الصَّلَاةَ.

وَأَمَّا مَنْ حَمَلَ الْعُقُوبَةَ عَلَى النِّفَاقِ، لَا عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ، فَقَوْلُهُ ضَعِيفٌ لِأَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ يُقِيلُ الْمُنَافِقِينَ إلَّا عَلَى الْأُمُورِ الْبَاطِنَةِ، وَإِنَّمَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهُمْ مِنْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ مُحَرَّمٍ، فَلَوْلَا أَنَّ فِي ذَلِكَ تَرْكَ وَاجِبٍ لَمَا حَرَّقَهُمْ.

الثَّانِي: أَنَّهُ رَتَّبَ الْعُقُوبَةَ عَلَى تَرْكِ شُهُودِ الصَّلَاةِ، فَيَجِبُ رَبْطُ الْحُكْمِ بِالسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ سَيَأْتِي - إنْ شَاءَ اللَّهُ - حَدِيثُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ حَيْثُ اسْتَأْذَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ خِيَارِ الْمُؤْمِنِينَ، أَثْنَى عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَخْلِفُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ يُؤَذِّنُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

الرَّابِعُ: إنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوبِهَا أَيْضًا: كَمَا قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلِيُصَلِّ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>