سَمِعَ النِّدَاءَ. وَفِي لَفْظٍ فِي السُّنَنِ «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنِّي رَجُلٌ شَاسِعُ الدَّارِ وَإِنَّ الْمَدِينَةَ كَثِيرَةُ الْهَوَامِّ، وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَائِمُنِي، فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي؟ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً» .
وَهَذَا نَصٌّ فِي الْإِيجَابِ لِلْجَمَاعَةِ، مَعَ كَوْنِ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِتَفْضِيلِ صَلَاةِ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ فَعَنْهُ جَوَابَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ لِغَيْرِ عُذْرٍ، فَمَنْ صَحَّحَ صَلَاتَهُ قَالَ: الْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ وَلَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ، كَالْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الِاصْفِرَارِ كَانَ آثِمًا، مَعَ كَوْنِ الصَّلَاةِ صَحِيحَةً، بَلْ وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَّرَهَا إلَى أَنْ يَبْقَى مِقْدَارُ رَكْعَةٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ» قَالَ: وَالتَّفْضِيلُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَفْضُولَ جَائِزٌ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [الجمعة: ٩] فَجَعَلَ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ خَيْرًا مِنْ الْبَيْعِ؛ وَالسَّعْيُ وَاجِبٌ وَالْبَيْعُ حَرَامٌ.
وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: ٣٠] .
وَمَنْ قَالَ: لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ إلَّا لِعُذْرٍ، احْتَجَّ بِأَدِلَّةِ الْوُجُوبِ قَالَ: وَمَا ثَبَتَ وُجُوبُهُ فِي الصَّلَاةِ كَانَ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ، كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ.
وَأَمَّا الْوَقْتُ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ، فَإِذَا مَاتَ لَمْ يَكُنْ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَنَظِيرُ ذَلِكَ فَوْتُ الْجُمُعَةِ، وَفَوْتُ الْجَمَاعَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهَا، فَإِذَا فَوَّتَ الْجُمُعَةَ الْوَاجِبَةَ كَانَ آثِمًا وَعَلَيْهِ الظُّهْرُ، إذْ لَا يُمْكِنُ سِوَى ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ مَنْ فَوَّتَ الْجَمَاعَةَ الْوَاجِبَةَ الَّتِي يَجِبُ عَلَيْهِ شُهُودُهَا، وَلَيْسَ هُنَاكَ جَمَاعَةٌ أُخْرَى، فَإِنَّهُ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ هُنَا لِعَدَمِ إمْكَانِ صَلَاتِهِ جَمَاعَةً، كَمَا تَصِحُّ الظُّهْرُ مِمَّنْ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ.
وَلَيْسَ وُجُوبُ الْجَمَاعَةِ بِأَعْظَمَ مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَنْ صَلَّى فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute