فَقَالَ: مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا، قَالَ: فَلَا تَفْعَلَا، إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» .
وَالثَّانِي: عَنْ «سُلَيْمَانَ بْنِ سَالِمٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ جَالِسًا عَلَى الْبَلَاطِ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ، فَقُلْت: يَا عَبْدَ اللَّهِ، مَالَك لَا تُصَلِّي؟ فَقَالَ: إنِّي قَدْ صَلَّيْتُ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا تُعَادُ صَلَاةٌ مَرَّتَيْنِ» فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا، وَهَذَا؟
الْجَوَابُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَهُوَ فِي الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْصِدَ إعَادَةَ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِي الْإِعَادَةَ، إذْ لَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لِلصَّلَاةِ الشَّرْعِيَّةِ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ، كَانَ يُمْكِنُ الْإِنْسَانَ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَرَّاتٍ، وَالْعَصْرَ مَرَّاتٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَذَا لَا رَيْبَ فِي كَرَاهَتِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ الْأَسْوَدِ: فَهُوَ إعَادَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِسَبَبٍ اقْتَضَى الْإِعَادَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: «إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا، ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ، فَصَلِّيَا مَعَهُمْ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» فَسَبَبُ الْإِعَادَةِ هُنَا حُضُورُ الْجَمَاعَةِ الرَّاتِبَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى ثُمَّ حَضَرَ جَمَاعَةً رَاتِبَةً أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ.
لَكِنْ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَسْتَحِبُّ الْإِعَادَةَ مُطْلَقًا، كَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِبُّهَا إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَكْمَلَ، كَمَالِكٍ.
فَإِذَا أَعَادَهَا فَالْأُولَى هِيَ الْفَرِيضَةُ، عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
لِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّهُ سَيَكُونُ أُمَرَاءُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا، ثُمَّ اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً» وَهَذَا أَيْضًا يَتَضَمَّنُ إعَادَتَهَا لِسَبَبٍ، وَيَتَضَمَّنُ أَنَّ الثَّانِيَةَ نَافِلَةٌ.
وَقِيلَ الْفَرِيضَةُ أَكْمَلُهُمَا. وَقِيلَ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ.
وَمِمَّا جَاءَ فِي الْإِعَادَةِ لِسَبَبٍ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ