وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى جَوَازِ الِاحْتِجَاجِ بِمِثْلِ هَذَا الْمُرْسَلِ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ إلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَمْرٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ دَلَالَةً قَاطِعَةً؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا جَمِيعُ الْأُمَّةِ، فَكَانَ بَيَانُهَا فِي الْقُرْآنِ مِمَّنْ يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ الْبَيَانِ، وَجَاءَتْ السُّنَّةُ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ.
فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَطَبَنَا، فَبَيَّنَ لَنَا سُنَّتَنَا، وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا، فَقَالَ: أُقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» وَهَذَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الطَّوِيلِ بِالْمَشْهُورِ لَكِنْ بَعْضُ الرُّوَاةِ زَادَ فِيهِ عَلَى بَعْضٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا، وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الثِّقَةِ، لَا تُخَالِفُ الْمَزِيدَ، بَلْ تُوَافِقُ مَعْنَاهُ، وَلِهَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ.
فَإِنَّ الْإِنْصَاتَ إلَى الْقَارِئِ مِنْ تَمَامِ الِائْتِمَامِ بِهِ فَإِنَّ مَنْ قَرَأَ عَلَى قَوْمٍ لَا يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ لَمْ يَكُونُوا مُؤْتَمِّينَ بِهِ، وَهَذَا مِمَّا يُبَيِّنُ حِكْمَةَ سُقُوطِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ، فَإِنَّ مُتَابَعَتَهُ لِإِمَامِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا، حَتَّى فِي الْأَفْعَالِ، فَإِذَا أَدْرَكَهُ سَاجِدًا سَجَدَ مَعَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ تَشَهَّدَ عَقِبَ الْوِتْرِ، وَهَذَا لَوْ فَعَلَهُ مُنْفَرِدًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِأَجْلِ الِائْتِمَامِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِائْتِمَامَ يَجِبُ بِهِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَيَسْقُطُ بِهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. قِيلَ لِمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ، يَعْنِي «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» قَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ فَقِيلَ لَهُ: لِمَا لَا تَضَعُهُ هَاهُنَا؟ يَعْنِي فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: لَيْسَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدِي صَحِيحٌ وَضَعْتُهُ هَاهُنَا، إنَّمَا وَضَعْتُ هَاهُنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ «أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا، فَقَالَ: هَلَّا قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ آنِفًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ: نَعَمْ. يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إنِّي أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعَ الْقُرْآنَ. قَالَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا جَهَرَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ، حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute