الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ قَدْرَ التَّكْبِيرَةِ لَمْ يُعَلِّقْ بِهِ الشَّارِعُ شَيْئًا مِنْ الْأَحْكَامِ، لَا فِي الْوَقْتِ، وَلَا فِي الْجُمُعَةِ، وَلَا الْجَمَاعَةِ، وَلَا غَيْرِهَا.
فَهُوَ وَصْفٌ مُلْغًى فِي نَظَرِ الشَّارِعِ، فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ.
الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا عَلَّقَ الْأَحْكَامَ بِإِدْرَاكِ الرَّكْعَةِ، فَتَعْلِيقُهَا بِالتَّكْبِيرَةِ إلْغَاءٌ لِمَا اعْتَبَرَهُ، وَاعْتِبَارٌ لِمَا أَلْغَاهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ فَاسِدٌ فِيمَا اُعْتُبِرَ فِيهِ الرَّكْعَةُ - وَعَلَّقَ الْإِدْرَاكَ بِهَا فِي الْوَقْتِ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ» .
وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً» فَالْمُرَادُ بِهَا الرَّكْعَةُ التَّامَّةُ، كَمَا فِي اللَّفْظِ الْآخَرِ؛ وَلِأَنَّ الرَّكْعَةَ التَّامَّةَ تُسَمَّى بِاسْمِ الرُّكُوعِ، فَيُقَالُ: رَكْعَةٌ، وَبِاسْمِ السُّجُودِ فَيُقَالُ سَجْدَةٌ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ، مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّقَ الْإِدْرَاكَ مَعَ الْإِمَامِ بِرَكْعَةٍ، وَهُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ.
فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» وَهَذَا نَصٌّ رَافِعٌ لِلنِّزَاعِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُدْرَكُ إلَّا بِرَكْعَةٍ، كَمَا أَفْتَى بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمْ. وَلَا يُعْلَمُ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.
وَقَدْ حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ وَلِهَذَا أَبُو حَنِيفَةَ طَرَدَ أَصْلَهُ، وَسَوَّى بَيْنَهُمَا، وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الثَّابِتَةَ، وَآثَارَ الصَّحَابَةِ تُبْطِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ.
الْخَامِسُ: أَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُهَا جَمِيعَهَا مُنْفَرِدًا، فَلَا يَكُونُ قَدْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ شَيْئًا يُحْتَسَبُ لَهُ بِهِ، فَلَا يَكُونُ قَدْ اجْتَمَعَ هُوَ وَالْإِمَامُ فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ، فَتَكُونُ صَلَاتُهُ جَمِيعًا صَلَاةَ مُنْفَرِدٍ.