للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ، فَإِنِّي مَهْمَا أَسْبِقُكُمْ بِهِ إذَا رَكَعْتُ تُدْرِكُونِي بِهِ إذَا رَفَعْتُ، إنِّي قَدْ بَدَّنْتُ» .

وَقَوْلُهُ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْكَعُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَتِلْكَ بِتِلْكَ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، يَسْمَعْ اللَّهُ لَكُمْ، وَإِذَا كَبَّرَ وَسَجَدَ فَكَبِّرُوا، وَاسْجُدُوا، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَسْجُدُ قَبْلَكُمْ، وَيَرْفَعُ قَبْلَكُمْ، فَتِلْكَ بِتِلْكَ» .

وَكَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ» وَهَذَا لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ مُتَّبِعٌ لِلْإِمَامِ مُقْتَدٍ بِهِ، وَالتَّابِعُ الْمُقْتَدِي لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى مَتْبُوعِهِ، وَقُدْوَتِهِ، فَإِذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَانَ كَالْحِمَارِ الَّذِي لَا يَفْقَهُ مَا يُرَادُ بِعَمَلِهِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «مَثَلُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا» .

وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ وَالتَّعْزِيرَ الَّذِي يُرْدِعُهُ، وَأَمْثَالَهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ: أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُسَابِقُ الْإِمَامَ، فَضَرَبَهُ، وَقَالَ: لَا وَحْدَك صَلَّيْت، وَلَا بِإِمَامِك اقْتَدَيْت.

وَإِذَا سَبَقَ الْإِمَامَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، لَكِنْ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ بِقَدْرِ مَا سَبَقَ بِهِ الْإِمَامَ كَمَا أَمَرَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ مُقَدَّرَةٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وَمَا فَعَلَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ سَهْوًا لَا يُبْطِلُ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِي الصَّلَاةِ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِهَا سَهْوًا، فَكَانَ كَمَا لَوْ زَادَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا سَهْوًا، وَذَلِكَ لَا يَبْطُلُ بِالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنْ مَا يَفْعَلُهُ قَبْلَ الْإِمَامِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، لِأَنَّ مَا قَبْلَ فِعْلِ الْإِمَامِ لَيْسَ وَقْتًا لِفِعْلِ الْمَأْمُومِ، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ، أَوْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَبَّرَ قَبْلَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يُجْزِئُهُ عَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ؛ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُحْرِمَ إذَا حَلَّ الْوَقْتُ لَا قَبْلَهُ، وَأَنْ يُحْرِمَ الْمَأْمُومُ إذَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ لَا قَبْلَهُ.

فَكَذَلِكَ الْمَأْمُومُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ رُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ إذَا رَكَعَ الْإِمَامُ وَسَجَدَ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ فَمَا فَعَلَهُ سَابِقًا وَهُوَ سَاهٍ عُفِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>